الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٣٠
لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين * أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون * ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون * واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون * فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون * أو لم ير الانسان أنا خلقناه من نطفة
____________________
الله تعالى يوعظ به الإنس والجن كما قال - إن هو إلا ذكر للعالمين - وما هو إلا قرآن كتاب سماوي يقرأ في المحاريب ويتلى في المتعبدات وينال بتلاوته والعمل بما فيه فوز الدارين، فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين (لينذر) القرآن أو الرسول. وقرئ لتنذر بالتاء ولينذر من نذر به إذا علمه (من كان حيا) أي عاقلا متأملا لان الغافل كالميت أو معلوما منه أنه يؤمن فيحيا بالايمان (ويحق القول) وتجب كلمة العذاب (على الكافرين) الذين لا يتأملون ولا يتوقع منهم الايمان (ومما عملت أيدينا) مما تولينا نحن إحداثه ولم يقدر على توليه غيرنا، وإنما قال ذلك لبدائع الفطرة والحكمة فيها التي لا يصح أن يقدر عليها إلا هو، وعمل الأيدي استعارة من عمل من يعملون بالأيدي (فهم لها مالكون) أي خلقناها لأجلهم فملكناها إياهم فهم متصرفون فيها تصرف الملاك مختصون بالانتفاع فيها لا يزاحمون، أو فهم لها ضابطون قاهرون من قوله:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا * أملك رأس البعير إن نفرا أي لا أضبطه، وهو من جملة النعم الظاهرة، وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله وتسخيره لها كما قال القائل:
يصرفه الصبي بكل وجه * ويحبسه على الخسف الجرير وتضربه الوليدة بالهراوي * فلا غير لديه ولا نكير ولهذا ألزم الله سبحانه الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله - سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين - وقرئ ركوبهم وركوبتهم وهما ما يركب كالحلوب والحلوبة، وقيل الركوبة جمع. وقرئ ركوبهم: أي ذو ركوبهم، أو فمن منافعها ركوبهم (منافع) من الجلود والأوبار والأصواف وغير ذلك (ومشارب) من اللبن ذكرها مجملة وقد فصلها في قوله تعالى - وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا - الآية، والمشارب جمع مشرب وهو موضع الشرب أو الشرب. اتخذوا الألهة طمعا في أن يتقووا بهم ويعتضدوا بمكانهم والامر على عكس ما قدروا حيث هم جند لآلهتهم معدون (محضرون) يخمونهم ويذبون عنهم ويغضبون لهم والألهة لا استطاعة بهم ولا قدرة على النصر، أو اتخذوهم لينصروهم عند الله ويشفعوا لهم، والامر على خلاف ما توهموا حيث هم يوم القيامة جند معدون لهم محضرون لعذابهم لانهم يجعلون وقودا للنار. وقرئ فلا يحزنك بفتح الياء وضمها من حزنه وأحزنه والمعنى: فلا يهمنك تكذيبهم وأذاهم وجفاؤهم فإنا عالمون بما يسرون لك من عداوتهم (وما يعلنون) وإنا مجازوهم عليه، فحق مثلك أن يتسلى بهذا الوعيد ويستحضر في نفسه صورة حاله وحالهم في الآخرة حتى ينقشع عنه الهم
(٣٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 ... » »»