الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٣٩
قالوا بل لم تكونوا مؤمنين * وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين * فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون * فأغويناكم إنا كنا غاوين * فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون * إنا كذلك نفعل بالمجرمين * إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون * بل جاء بالحق وصدق المرسلين * إنكم لذائقوا العذاب الأليم * وما تجزون إلا ما كنتم تعملون * إلا عباد الله المخلصين * أولئك لهم رزق معلوم * فواكه وهم مكرمون
____________________
حتى لحق بالحقائق وهذا من ذاك، ولك أن تجعلها مستعارة للقوة والقهر لان اليمين موصوفة بالقوة وبها يقع البطش، والمعنى: أنكم كنتم تأتوننا عن القوة والقهر وتقصدوننا عن السلطان والغلبة حتى تحملونا على الضلال وتقسرونا عليه، وهذا من خطاب الاتباع لرؤسائهم والغواة لشياطينهم (بل لم تكونوا مؤمنين) بل أبيتم أنتم الايمان وأعرضتم عنه مع تمكنكم منه مختارين له على الكفر غير ملجئين إليه (وما كان لنا عليكم) من تسلط نسلبكم به تمكنكم واختياركم (بل كنتم قوما) مختارين الطغيان (فحق علينا) فلزمنا (قول ربنا إن لذائقون) يعني وعيد الله بأنا ذائقون لعذابه لا محالة لعلمه بحالنا واستحقاقنا بها العقوبة، ولو حكى الوعيد كما هو لقال إنكم لذائقون، ولكنه عدل به إلى لفظ المتكلم لانهم متكلمون بذلك عن أنفسهم ونحوه قول القائل * لقد زعمت هوازن قل مالي * ولو حكى قولها لقال قل مالك، ومنه قول المحلف للحالف احلف لأخرجن ولتخرجن، الهمزة لحكاية لفظ الحالف والتاء لاقبال المحالف على المحلف (فأغويناكم) فدعوناكم إلى الغي دعوة محصلة للبغية لقبولكم لها واستحبابكم الغي على الرشد (إنا كنا غاوين) فأردنا إغراءكم لتكونوا أمثالنا (فإنهم) فإن الاتباع والمتبوعين جميعا (يومئذ) يوم القيامة مشتركون في العذاب كما كانوا مشتركين في الغواية (إنا) مثل ذلك الفعل (نفعل) بكل مجرم، يعني أن سبب العقوبة هو الاجرام، فمن ارتكبه استوجبها (إنهم كانوا إذا) سمعوا بكلمة التوحيد نفروا واستكبروا عنها وأبوا إلا الشرك (لشاعر مجنون) يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم (بل جاء بالحق) رد على المشركين (وصدق المرسلين) كقوله - مصدقا لما بين يديه - وقرئ لذائقوا العذاب بالنصب على تقدير النون كقوله * ولا ذاكر الله قليلا * بتقدير التنوين. وقرئ لذائقون العذاب (إلا ما كنتم تعملون) إلا مثل ما عملتم جزاء سيئا بعمل سئ (إلا عباد الله) ولكن عباد الله على الاستثناء المنقطع. فسر الرزق المعلوم بالفواكه وهي كل ما يتلذذ به ولا يتقوت لحفظ الصحة، يعني أن رزقهم كله فواكه لانهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات بأنهم أجسام حكمة مخلوقة للأبد فكل ما يأكلونه يأكلونه على سبيل التلذذ. ويجوز أن يراد رزق معلوم منعوت بخصائص خلق عليها من طيب طعم ورائحة ولذة وحسن منظر. وقيل معلوم الوقت كقوله - ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا - وعن قتادة: الرزق المعلوم الجنة، وقوله في جنات يأباه، وقوله (وهم مكرمون) هو الذي يقوله العلماء في حد الثواب على سبيل المدح والتعظيم وهو من أعظم ما يجب أن تتوق إليه نفوس ذوي
(٣٣٩)
مفاتيح البحث: العذاب، العذب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 ... » »»