الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٤٣
ثم إن مرجعهم لإلى الحجيم. أنهم ألفوا آباءهم ضالين. فهم على آثارهم يهرعون.
ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين. ولقد أرسلنا فيهم منذرين. فانظر كيف كيف كان عاقبة المنذرين. إلا عباد الله المخلصين. ولقد نادينا نوح فلنعم المجيبون.
ونجيناه وأهله من الكرب العظيم. وجعلنا ذريته هم الباقين. وتركنا عليه في الآخرين.
سلام على نوح في العالمين. إنا كذلك نجزى المحسنين. إنه من عبادنا المؤمنين. ثم أغرقنا الآخرين *
____________________
إن لهم عليها لشوبا - وفى قوله (ثم إن مرجعهم)؟ قلت: في الأول وجهان أنهم يملئون البطون من شجر الزقوم وهو حار يحرق بطونهم ويعطشهم فلا يسقون إلا بعد ملى تعذيبا بذلك العطش، ثم يسقون ما هو أحر وهو الشراب المشوب بالحميم. والثاني أنه ذكر الطعام بتلك الكراهة والبشاعة، ثم ذكر الشراب بما هو أكره وأبشع، فجاء بثم للدلالة على تراخى حال الشراب عن حال الطعام ومباينة صفته لصفته في الزيادة عليه، ومعنى الثاني:
آنهم يذهب بهم عن مقارهم ومنازلهم في الجحيم وهى الدركات التي أسكنوها إلى شجرة الزقوم فيأكلون إلى أن يمتلؤوا ويسقون بعد ذلك ثم يرجعون إلى دركاتهم، ومعنى التراخي في ذلك بين. وقرئ ثم إن منقلبهم ثم إن مصيرهم ثم إن منفذهم إلى الجحيم. علل استحقاقهم للوقوع في تلك الشدائد كأنهم بتقليد الآباء في الدين واتباعهم إياهم على الضلال وترك اتباع الدليل، والهراع: الإسراع الشديد كأنهم يحثون حثا. وقيل إسراع فيه شبه بالرعدة (ولقد ضل قبلهم) قبل قومك قريش (منذرين) أنبياء حذروهم العواقب (المنذرين) الذين أنذروا وحذروا:
أي أهلكوا جميعا (إلا عباد الله) الذين آمنوا منهم وأخلصوا دينهم لله أو أخلصهم الله لدينه على القراءتين. لما ذكر إرسال المنذرين في الأمم الخالية وسوء عاقبة المنذرين أتبع ذلك ذكر نوح ودعائه إياه حين أيس من قومه. واللام الداخلة على نعم جواب قسم محذوف، والمخصوص بالمدح محذوف وتقديره: فوالله لنعم المجيبون نحن، والجمع دليل العظمة والكبرياء، والمعنى: إنا أجبناه أحسن الإجابة وأوصلها إلى مراده وبغيته من نصرته على أعدائه والانتقام منهم بأبلغ ما يكون (هم الباقين) هم الذين بقوا وحدهم وقد فنى غيرهم، فقد روى أنه مات كل من كان معه في السفينة غير ولده، أو هم الذين بقوا متناسلين إلى يوم القيامة. قال وكان لنوح عليه السلام ثلاثة أولاد: سام وحام ويافث، فسام أبو العرب وفارس والروم، وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب، ويافث أبو الترك ويأجوج (وتركنا عليه في الآخرين) من الأمم هذه الكلمة وهى (سلام على نوح) يعنى يسلمون عليه تسليما ويدعون له، وهو من الكلام المحكي كقولك قرأت سورة أنزلناها.
فإن قلت: فما معنى قوله (في العالمين)؟ قلت: معناه الدعاء بثبوت هذه التحية فيهم جميعا وأن لا يخلوا أحد منهم منها، كأنه قيل: ثبت الله التسليم على نوح وأدامه في الملائكة في الملائكة والثقلين يسلمون عليه عن آخرهم. علل مجازاة نوح عليه السلام بتلك التكرمة السنية من تبقية ذكره وتسليم العالمين عليه إلى آخر الدهر بأنه كان محسنا، ثم علل كونه
(٣٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 338 339 340 341 342 343 344 345 347 348 349 ... » »»