الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٤٠
* في جنات النعيم * على سرر متقابلين * يطاف عليهم بكأس من معين * بيضاء لذة للشاربين * لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون * وعندهم قاصرات الطرف عين * كأنهم بيض مكنون * فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون
____________________
الهمم، كما أن من أعظم ما يجب أن تنفر عنه نفوسهم هو أن أهل النار وصغارهم. التقابل أتم للسرور وآنس.
وقيل لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض. يقال للزجاجة فيها الخمر كأس وتسمى الخمر نفسها كأسا قال:
* وكأس شربت على لذة * وعن الأخفش كل كأس في القرآن فهي الخمر، وكذا في تفسير ابن عباس (من معين) من شراب معين، أو من نهر معنى: وهو الجاري على وجه الأرض الظاهر للعيون، وصف بما يوصف به الماء لأنه يجرى في الجنة في أنهار كما يجرى الماء قال الله تعالى - وأنهار من خمر - (بيضاء) صفة للكأس (لذة) إما أن توصف باللذة كأنها نفس اللذة وعينها، أو هي تأنيث اللذ، يقال لذ الشئ فهو لذ ولذيذ ووزنه فعل كقولك رجل طب، قال:
ولذ كطعم الصرخدي تركته * بأرض العدا من خشية الحدثان يريد النوم. الغول من غاله يغوله غولا: إذا أهلكه وأفسده، ومنه الغول الذي في تكاذيب العرب، وفي أمثالهم: الغضب غول الحلم، و (ينزفون) على البناء للمفعول من نزف الشارب: إذا ذهب عقله، ويقال للسكران نزيف ومنزوف، ويقال للمطعون نزف فمات: إذا خرج دمه كله، ونزحت الركية حتى نزفتها: إذا لم تترك فيها ماء، وفي أمثالهم: أجبن من المنزوف ضرطا، وقرئ ينزفون من أنزف الشارب: إذا ذهب عقله أو شرابه، قال:
لعمري لئن أتزفتمو أو صحوتمو * لبئس الندامة كنتمو آل أبجرا ومعناه صار ذا نزف، ونظيره أقشع السحاب وقشعته الريح وأكب الرجل وكببته وحقيقتهما دخلا في القشع والكب. وفي قراءة طلحة بن مصرف ينزفون بضم الزاي من نزف ينزف كقرب يقرب إذا سكر، والمعنى: لا فيها فساد قط من أنواع الفساد التي تكون في شرب الخمر من مغص أو صداع أو خمار أو عربدة أو لغو أو تأثيم أو غير ذلك، ولا هم يسكرون وهو أعظم مفاسدها، فأفرزه وأفرده بالذكر (قاصرات الطرف) قصرن أبصارهن على أزواجهن لا يمددن طرفا إلى غيرهم كقوله تعالى - عربا - والعين النجل العيون، شبههن ببيض النعام المكنون في الادحى وبها تشبه العرب النساء وتسميهن بيضات الخدور. فإن قلت: علام عطف قوله (فأقبل بعضهم على بعض)؟ قلت: على يطاف عليهم، والمعنى: يشربون فيتحادثون على الشراب كعادة الشرب، قال:
وما بقيت من اللذات إلا * أحاديث الكرام على المدام فيقبل بعضهم على بعض (يتساءلون) عما جرى لهم وعليهم في الدنيا، إلا أنه جئ به ماضيا على عادة الله، في أخباره
(٣٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 ... » »»