الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٣٧
فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب * بل عجبت ويسخرون وإذا ذكروا لا يذكرون * وإذا رأوا آية يستسخرون وقالوا إن هذا إلا سحر مبين أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون * قل نعم
____________________
فلذلك قيل (فاستفتهم) أي استخبرهم (أهم أشد خلقا) ولم يقل فقررهم والضمير لمشركي مكة. قيل نزلت في أبي الأشد بن كلدة وكنى لذلك لشدة بطشه وقوته (أم من خلقنا) يريد ما ذكر من خلائقه من الملائكة والسماوات والأرض والمشارق والكواكب والشهب الثواقب والشياطين المردة، وغلب أولى العقل على غيرهم فقال من خلقنا، والدليل عليه قوله بعد عد هذه الأشياء - فاستفتهم أهم أشد خلقنا أم من خلقنا - بالفاء المعقبة، وقوله أم من خلقنا مطلقا من غير تقييد بالبيان اكتفاء ببيان ما تقدمه كأنه قال: خلقنا كذا وكذا من عجائب الخلق وبدائعه، فاستفتهم أهم أشد خلقا أم الذي خلقناه من ذلك ويقطع به قراءة من قرأ أم من عددنا بالتخفيف والتشديد. وأشد خلقا يحتمل أقوى خلقا من قولهم شديد الخلق وفي خلقه شدة وأصعب خلقا وأشقه على معنى الرد لانكارهم البعث والنشأة الأخرى، وأن من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ولم يصعب عليه اختراعها كان خلق البشر عليه أهون. وخلقهم (من طين لازب) إما شهادة عليهم بالضعف والرخاوة لان ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة، أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه تراب، فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله حيث قالوا - أئذا كنا ترابا - وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث. وقيل من خلقنا من الأمم الماضية وليس هذا القول بملائم. وقرئ لازم ولاتب والمعنى واحد. والثاقب: الشديد الإضاءة (بل عجبت) من قدرة الله على هذه الخلائق العظيمة (و) هم (يسخرون) منك ومن تعجبك ومما تريهم من آثار قدرة الله، أو من إنكارهم البعث وهم يسخرون من أمر البعث، وقرئ بضم التاء: أي بلغ من عظم آياتي وكثرة خلائقي أني عجبت منها فكيف بعبادي وهؤلاء بجهلهم وعنادهم يسخرون من آياتي، أو عجبت من أن ينكروا البعث ممن هذه أفعاله وهم يسخرون ممن يصف الله بالقدرة عليه. فإن قلت: كيف يجوز العجب على الله تعالى وإنما هو روعة تعترى الانسان عند استعظامه الشئ، والله تعالى لا يجوز عليه الروعة؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يجرد العجب لمعنى الاستعظام، والثاني أن يتخيل العجب ويفرض، وقد جاء في الحديث " عجب ربكم من إلكم وقنوطكم وسرعة إجابته إياكم " وكان شريح يقرأ بالفتح ويقول: إن الله لا يعجب من شئ وإنما يعجب من لا يعلم فقال إبراهيم النخعي: إن شريحا كان يعجبه علمه وعبد الله أعلم، يريد عبد الله بن مسعود وكان يقرأ بالضم وقيل معناه: قل يا محمد بل عجبت (وإذا ذكروا) ودأبهم أنهم إذا وعظوا بشئ لا يتعظون به (وإذا رأوا آية) من آيات الله البينة كانشقاق القمر ونحوه (يستسخرون) يبالغون في السخرية أو يستدعى بعضهم من بعض أن يسخر منها (وآباؤنا) معطوف على محل إن واسمها، أو على الضمير في مبعوثون والذي جوز العطف عليه الفصل بهمزة الاستفهام، والمعنى: أيبعث أيضا آباؤنا على زيادة الاستبعاد: يعنون أنهم أقدم فبعثهم أبعد وأبطل، وقرئ أو آباؤنا (قل نعم) وقرئ نعم بكسر العين وهما لغتان وقرئ قال نعم: أي الله تعالى أو الرسول صلى الله عليه وسلم،
(٣٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 ... » »»