الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٤٢
إن هذا لهو الفوز العظيم. لمثل هذا فليعمل العاملون. أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم؟. إنا جعلناها فتنة للظالمين. إنها شجرة تخرج في أصل الحجيم. طلعها كأنه رؤوس الشياطين، فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون. ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم.
____________________
من الموت؟ قال: الذي يتمنى فيه الموت، يقوله المؤمن تحدثا بنعمة الله واغتباطا بحاله وبمسمع من قرينه ليكون توبيخا له يزيد به تعذبا، وليحكيه الله فيكون لنا لطفا وزاجرا. ويجوز أن يكون قولهم جميعا وكذلك قوله (إن هذا لهو الفوز العظيم) أي إن هذا الأمر الذي نحن فيه، وقيل هو من قول الله عز وجل تقريرا لقولهم وتصديقا له.
وقرئ لهو الرزق العظيم وهو ما رزقوه من السعادة: ت مت قصة المؤمن وقرينه، ثم رجع إلى ذكر الرزق المعلوم فقال (أذلك) الرزق (خير نزلا) أي خير حاصلا (أم شجرة الزقوم) وأصل النزل الفضل والريع في الطعام، يقال طعام كثير النزل فاستعير للحاصل من لا شئ وحاصل الرزق المعلوم اللذة والسرور، وحاصل شجرة الزقوم الألم والغم، وانتصاب نزلا على التمييز، ولك أن تجعله حالا كما تقول أثمر النخلة خير بلحا أم رطبا؟ يعنى أن الرزق المعلوم نزل أهل الجنة وأهل النار نزلهم شجرة الزقوم، فأيهما خير في كونه نزلا. والنزل: ما يقام للزرق المعلوم نزلا ولشجرة الزقوم نزلا، فأيهما خير نزلا؟ ومعلوم أنه لاخير في شجرة الزقوم، ولكن المؤمنين لما اختاروا ما أدى إلى الرزق المعلوم واختار الكافرون ما أدى إلى شجرة الزقوم قيل لهم ذلك توبيخا على سوء اختيارهم (فتنة للظالمين) محنة وعذابا، لهم في الآخرة أو ابتلاء لهم في الدنيا، وذلك أنهم قالوا: كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر فكذبوا، وقرئ نابتة (في أصل الجحيم) قيل منبتها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
والطلع للنخلة فاستعير لما طلع من شجرة الزقوم من حملها إما استعارة لفظية أو معنوية، وشبه برؤوس الشياطين دلالة على تناهيه في الكراهة وقبح المنظر، لأن الشيطان مكروه مستقبح في طباع الناس لاعتقادهم أنه شر محض لا يخلطه خير، فيقولون في القبيح الصورة: كأنه رأس شيطان. وإذا صوره المصورون جاءوا بصورته على أقبح ما يقدر وأهوله. كما أنهم اعتقدوا في ذلك أنه خير محض لاشر فيه فشبهوا به الصورة الحسنة قال الله تعالى - ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم - وهذا تشبيه تخييلي. وقيل: الشيطان حية عرفاء لها صورة قبيحة المنظر هائلة جدا. وقيل إن شجرا يقال له الأستن خشنا منتنا مرا منكر الصورة يسمى ثمره رؤوس الشياطين، وما سمت العرب هذا الثمر برؤوس الشياطين إلا قصدا إلى أحد التشبيهين ولكنه بعد التسمية بذلك رجع أصلا ثالثا يشبه به (منها من الشجرة: أي من طلعها (فمالئون) بطونهم لما يغلبهم من الجوع الشديد، أو يقسرون على أكلها وإن كرهوها ليكون بابا من العذاب، فإذا شبعوا غلبهم العطش فيسقون شرابا من غساق أو صديد. شوبه:
أي مزاجه (من حميم) يشوى وجوههم ويقطع أمعاءهم كما قال في صفة شراب أهل الجنة - ومزاجه من تسنيم - وقرئ لشوبا بالضم وهو اسم ما يشاب به والأول تسمية بالمصدر. فإن قلت: ما معنى حرف التراخي في قوله - ثم.
(٣٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 337 338 339 340 341 342 343 344 345 347 348 ... » »»