الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٥٣
وإنكم لتمرون عليهم مصبحين. وبالليل أفلا تعقلون. وإن يونس لمن المرسلين.
إذ أبق إلى الفلك المشحون. فساهم فكان من المدحضين. فالتقمه الحوت وهو مليم.
فلولا أنه كان من المسبحين. للبث في بطنه إلى يوم يبعثون، فنبذناه بالعراء وهو سقيم. وأنبتنا عليه شجرة من يقطين. وأرسلناه إلى مائة ألف،
____________________
الآل (مصبحين) داخلين في الصباح: يعنى تمرون على منازلهم في متاجرهم إلى الشأم ليلا ونهارا فما فيكم عقول تعتبرون بها. قرئ يونس بضم النون وكسرها، وسمى هربه من قومه بغير إذن ربه إباقا على طريقة المجاز. والمساهمة المقارعة، ويقال استهم القوم إذا اقترعوا، والمدحض: المغلوب المقروع، وحقيقته المزلق عن مقام الظفر والغلبة. روى أنه حين ركب في السفينة وقفت فقالوا: ههنا عبد أبق من سيده، وفيما يزعم البحارون أن السفينة إذا كان فيها آبق لم تجر، فاقترعوا فخرجت القرعة على يونس فقال: أنا الآبق وزج بنفسه في الماء (فالتقمه الحوت وهو مليم) داخل في الملامة، يقال: رب لائم مليم: أي يلوم غيره وهو أحق منه باللوم. وقرئ مليم بفتح الميم من ليم فهو مليم كما جاء مشيب في مشوب مبنيا على شيب ونحوه مدعى بناء على دعى (من المسبحين) من الذاكرين الله كثيرا بالتسبيح والتقديس. وقيل هو قوله في بطن الحوت - لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين - وقيل من المصلين. وعن ابن عباس: كل تسبيح في القرآن فهو صلاة، وعن قتادة: كان كثير الصلاة في الرخاء. قال:
وكان يقال: إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر وإذا صرع وجد متكأ، وهذا ترغيب من الله عز وجل في إكثار المؤمن من ذكره بما هو أهله وإقباله على عبادته وجمع ههه لتقييد نعمته بالكشر في وقت المهلة والفسحة لينفعه ذلك عنده تعالى في المضايق والشدائد (للبث في بطنه) الظاهر لبثه فيه حيا إلى يوم البعث. وعن قتادة: لكن بطن الحوت له قبر إلى يوم القيامة. وروى أنه حين ابتلعه أوحى الله إلى الحوت إني جعلت بطنك له سجنا ولم أجعله لك طعاما. واختلف في مقدار لبثه، فعن الكلبي أربعون يوما، وعن الضحاك عشرون يوما، وعن عطاء سبعة، وعن بعضهم ثلاثة، وعن الحسن لا يلبث إلا قليلا ثم أخرج من بطنه بعيد الوقت الذي التقم فيه. وروى أن الحوت سار مع السفينة رافعا رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح ولم يفارقهم حتى انتهوا إلى البر فلفظه سالما لم يتغير منه شئ فأسلموا. وروى أن الحوت قذفه بساحل قرية من الموصل. والعراء: المكان الخالي لا شجر فيه ولا شئ يغطيه (وهو سقيم) اعتل مما حل به. وروى أنه عاد بدنه كبدن الصبى حين يولد. واليقطين: كل ما ينسدح على وجه الأرض ولا يقوم على ساق كشجرة البطيخ والقثاء والحنظل، وهو يفعيل من قطن بالمكان إذا أقام به. وقيل هو الدباء، وفائدة الدباء أن الذباب لا يجتمع عنده. " وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لتحب القرع، قال:
أجل هي شجرة أخي يونس " وقيل هي التين. وقيل شجرة الموز تغطي بورقها واستطل بأغصانها وأفطر على ثمارها.
وقيل كان يستظل بالشجرة وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها. وروى أنه مر زمان على الشجرة فيبست فبكى جزعا، فأوحى الله إليه: بكيت على شجرة ولا تبكى على مائة ألف في يد الكافر؟ فإن قلت: ما معنى وأنبتنا عليه شجرة؟ قلت: أنبتناها فوته مظلة له كما يطنب البيت على الإنسان (وأرسلناه إلى مائة ألف) المراد به
(٣٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 ... » »»