____________________
مكاناتهم والمكانة والمكان واحد كالمقامة والمقام: أي لمسخناهم مسخا يجمدهم مكانهم لا يقدرون أن يبرحوه بإقبال ولا إدبار ولا مضى ولا رجوع. واختلف في المسخ، فعن ابن عباس لمسخناهم قردة وخنازير، وقيل حجارة، وعن قتادة: لأقعدناهم على أرجلهم وأزمناهم. وقرئ مضيا بالحركات الثلاث فالمضي والمضى كالعتي والعتى والمضى كالصبي (ننكسه في الخلق) نقلبه فيه فنخلقه على عكس ما خلقناه من قبل، وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسد وخلو من عقل وعلم، ثم جعلناه يتزايد وينتقل من حال إلى حال ويرتقي من درجة إلى درجة إلى أن يبلغ أشده ويستكمل قوته ويعقل ويعلم ماله وما عليه، فإذا انتهى نكسناه في الخلق فجعلناه يتناقص حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبي في ضعف جسده وقلة عقله وخلوه من العلم كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله، قال عز وجل - ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا - ثم رددناه أسفل سافلين - وهذه دلالة على أن من ينقلهم من الشباب إلى الهرم، ومن القوة إلى العقل، ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز، ومن العلم إلى الجهل بعد ما نقلهم خلاف هذا النقل وعكسه قادر على أن يطمس على أعينهم ويمسخهم على مكانتهم ويفعل بهم ما شاء وأراد. وقرء بكسر الكاف وننكسه من التنكيس والانكاس (أفلا يعقلون) بالياء والتاء. كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: شاعر، وروى أن القائل عقبة بن أبي معيط، فقيل (وما علمناه الشعر) أي وما علمناه بتعليم القرآن الشعر على معنى أن القرآن ليس بشعر وما هو من الشعر في شئ وأين هو عن الشعر، والشعر إنما هو كلام موزون مقفى يدل على معنى، فأين الوزن وأين التقفية وأين المعاني التي ينتحيها الشعراء عن معانيه، وأين نظم كلامهم عن نظمه وأساليبه، فإذا لا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققت، اللهم إلا أن هذا لفظه عربي كما أن ذاك كذلك (وما ينبغي له) وما يصح له ولا يتطلب لو طلبه: أي جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهل. كما جعلناه أميا لا يتهدى للخط ولا يحسنه لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض. وعن الخليل:
كان الشعر أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام ولكن كان لا يتأتى له. فإن قلت: فقوله:
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب وقوله: هل أنت إلا إصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت قلت: ما هو إلا كلام من جنس كلامه الذي كان يرمى به على السليقة من غير صنعة ولا تكلف، إلا أنه اتفق ذلك من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه إليه أن جاء موزونا كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس في خطبهم ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة لا يسميها أحد شعرا ولا يخطر ببال المتكلم ولا السامع أنها شعر، وإذا فتشت في كل كلام عن نحو ذلك وجدت الواقع في أوزان البحور غير عزيز، على أن الخليل ما كان يعد المشطور من الرجز شعرا. ولما نفى أن يكون القرآن من جنس الشعر قال (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) يعني ما هو إلا ذكر من
كان الشعر أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام ولكن كان لا يتأتى له. فإن قلت: فقوله:
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب وقوله: هل أنت إلا إصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت قلت: ما هو إلا كلام من جنس كلامه الذي كان يرمى به على السليقة من غير صنعة ولا تكلف، إلا أنه اتفق ذلك من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه إليه أن جاء موزونا كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس في خطبهم ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة لا يسميها أحد شعرا ولا يخطر ببال المتكلم ولا السامع أنها شعر، وإذا فتشت في كل كلام عن نحو ذلك وجدت الواقع في أوزان البحور غير عزيز، على أن الخليل ما كان يعد المشطور من الرجز شعرا. ولما نفى أن يكون القرآن من جنس الشعر قال (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) يعني ما هو إلا ذكر من