الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٥٢
ولقد مننا على موسى وهارون. ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم. ونصرناهم فكانوا هم الغالبين. وآتيناهما الكتاب المستبين. وهديناهما الصراط المستقيم.
وتركنا عليهما في الآخرين. سلام على موسى وهارون. إنا كذلك نجزى المحسنين.
إنهما من عبادنا المؤمنين. وإن إلياس لمن المرسلين. إذ قال لقومه ألا تتقون.
أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين. الله ربكم ورب آبائكم الأولين. فكذبوه فإنهم لمحضرون. إلا عباد الله المخلصين. وتركنا عليه في الآخرين. سلام على إل ياسين. إنا كذلك نجزى المحسنين. إنه من عبادنا المؤمنين. وإن لوطا لمن المرسلين. إذ نجيناه وأهله أجمعين. إلا عجوزا في الغابرين: ثم دمرنا الآخرين.
____________________
على أن الخبث والطيب لا يجرى أمرهما على العرق والعنصر، فقد يلد البر الفاجر والفاجر البر، وهذا مما يهدم أمر الطبائع والعناصر، وعلى أن الظلم في أعقابهما لم يعد عليهما بعيب ولا نقيصة، وأن المرء إنما يعاب بسوء فعله ويعاتب على ما اجترحت يداه لا على ما وجد من أصله أو فرعه (من الكرب العظيم) من الغرق أو من سلطان فرعون وقومه وغشمهم (ونصرناهم) الضمير لهما ولقومهما في قوله - ونجيناهما وقومهما - (الكتاب المستبين) البليغ في بيانه وهو التوراة كما قال - إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور - وقال من جوز أن تكون التوراة عربية أن تشتق من ورى الزند فوعلة منه على أن التاء مبدلة من واو (الصراط المستقيم) صراط أهل الإسلام، وهى صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. وقرئ إلياس بكسر الهمزة وإلياس على لفظ الوصل، وقيل هو إدريس النبي. وقرأ ابن مسعود وإن إدريس في موضع إلياس، وقرئ إدراس. وقيل هو إلياس بن ياسين من ولد هارون أخي موسى (أتدعون بعلا) أتعبدون بعلا وهو علم لصنم كان لهم كمناة وهبل. وقيل كان من ذهب وكان طوله عشرين ذراعا له أربعة أوجه فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياءه، فكان الشيطان يدخل في جوف بعل ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة يخفظونها ويعلمونها الناس وهم أهل بعلبك من بلاد الشأم وبه سميت مدينتهم بعلبك. وقيل البعل الرب بلغة اليمن، يقال من بعل هذه الدار؟ أي من ربها، والمعنى: أتعبدون بعض البعول وتتركون عبادة الله (الله ربكم ورب آبائكم) قرئ بالرفع على الابتداء وبالنصب على البدل، وكان حمزة إذا وصل نصب وإذا وقف رفع. وقرئ على إلياسين وإدريسين وإدراسين وإدريسين على أنها لغات في إلياس وإدريس، ولعل لزيادة الياء والنون في السريانية معنى. وقرئ على لياسين بالوصل على أنه جمع يراد به إلياس وقومه كقولهم الخبيبون والمهلبون. فإن قلت: فهلا حملت على هذا إلياسين على القطع وأخواته؟
قلت: لو كان جمعا لعرف بالألف واللام، وأما من قرأ على آل ياسين فعلى أن ياسين اسم أبى إلياس أضيف إليه
(٣٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 ... » »»