الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٣٥
إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب
____________________
تطلع ولا تغرب في واحد يومين. فإن قلت: فماذا أراد بقوله - رب المشرقين ورب المغربين -؟ قلت: أراد مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما (الدنيا) القربى منكم. والزينة مصدر كالنسبة واسم لما يزان به الشئ كالليقة اسم لما تلاق به الدواة، ويحتملها قوله (بزينة الكواكب) فإن أردت المصدر فعلى إضافته إلى الفاعل: أي بأن زانتها الكواكب وأصله بزينة الكواكب أو على إضافته إلى المفعول: أي بأن زان الله الكواكب وحسنها لأنها إنما زينت السماء لحسنها في أنفسها، وأصله بزينة الكواكب وهي قراءة أبي بكر والأعمش وابن وثاب، وإن أردت الاسم فللإضافة وجهان: أن تقع الكواكب بيانا للزينة لان الزينة مبهمة في الكواكب وغيرها مما يزان به، وأن يراد ما زينت به الكواكب. وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: بزينة الكواكب: بضوء الكواكب.
ويجوز أن يراد أشكالها المختلفة كشكل الثريا وبنات نعش والجوزاء وغير ذلك ومطالعها ومسايرها. وقرئ على هذا المعنى بزينة الكواكب بتنوين زينة وجر الكواكب على الابدال، ويجوز في نصب الكواكب أن يكون بدلا من محل بزينة (وحفظا) مما حمل على المعنى لان المعنى: إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظا من الشياطين كما قال تعالى - ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين - ويجوز أن يقدر الفعل المعلل كأنه قيل حفظا (من كل شيطان) زيناها بالكواكب، وقيل وحفظناها حفظا، والمارد: الخارج من الطاعة المتملس منها. الضمير في (لا يسمعون) لكل شيطان لأنه في معنى الشياطين. وقرئ بالتخفيف والتشديد وأصله يتسمعون والتسمع تطلب السماع، يقال تسمع فسمع أو فلم يسمع. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هم يتسمعون ولا يسمعون وبهذا ينصر التخفيف على التشديد. فإن قلت: لا يسمعون كيف اتصل بما قبله؟ قلت: لا يخلو من أن يتصل بما قبله على أن يكون صفة لكل شيطان أو استئنافا، فلا تصح الصفة لان الحفظ من شياطين لا يسمعون
(٣٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 ... » »»