الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٢٨
صراط مستقيم * ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون * هذه جهنم التي كنتم توعدون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون * اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون * ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون *
____________________
لئن كان يهدى برد أنيابها العلى * لافقر منى إنني لفقير أراد: إنني لفقير بليغ الفقر حقيق بأن أوصف به لكمال شرائطه في وإلا لم يستقم معنى البيت، وكذلك قوله:
(هذا صراط مستقيم) يريد صراط بليغ في بابه بليغ في استقامته جامع لكل شرط يجب أن يكون عليه. ويجوز أن يرد هذا بعض الصراط المستقيمة توبيخا لهم على العدول عنه والتفادي عن سلوكه كما يتفادى الناس عن الطريق المعوج الذي يؤدى إلى الضلالة والتهلكة كأنه قيل: أقل أحوال الطريق الذي هو أقوم الطرق أن يعتقد فيه كما يعتقد في الطريق الذي لا يضل السالك كما يقول الرجل لولده وقد نصحه النصح البالغ الذي ليس بعده، هذا فيما أظن قول نافع غير ضار توبيخا له على الاعراض عن نصائحه. وقرئ جبلا بضمتين وضمة وسكون وضمتين وتشديدة وكسرتين وكسرة وسكون وكسرتين وتشديدة وهذه اللغات في معنى الخلق. وقرئ جبلا جمع جبلة كفطر وخلق وفي قراءة علي رضي الله عنه جيلا واحد الأجيال. يروى أنهم يجحدون ويخاصمون فتشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم فيحلفون ما كانوا مشركين، فحينئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم، وفي الحديث " يقول العبد يوم القيامة: إني لا أجيز علي شاهدا إلا من نفسي، فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل ". وقرئ يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وقرئ ولتكلمنا أيديهم وتشهد بلام كي والنصب على معنى: ولذلك نختم على أفواههم. وقرئ ولتكلمنا أيديهم ولتشهد بلام الامر والجزم على أن الله يأمر الأعضاء بالكلام والشهادة. الطمس: تعفية شق العين حتى تعود ممسوحة (فاستبقوا الصراط) لا يخلو من أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل، والأصل فاستبقوا إلى الصراط، أو يضمن معنى ابتدروا، أو يجعل الصراط مسبوقا إليه، أو ينتصب على الظرف، والمعنى: أنه لو شاء لمسح أعينهم فلو راموا أن يستبقوا إلى الطريق المهيع الذي اعتادوا سلوكه إلى مساكنهم وإلى مقاصدهم المألوفة التي ترددوا إليها كثيرا كما كانوا يستبقون إليه ساعتين في متصرفاتهم موضعين في أمور دنياهم لم يقدروا وتعايا عليهم أن يبصروا ويعلموا جهة السلوك فضلا عن غيره، أو لو شاء لأعماهم، فلو أرادوا أن يمشوا مستبقين في الطريق المألوف كما كان ذلك هجيراهم لم يستطيعوا، أو لو شاء لأعماهم، فلو طلبوا أن يخلفوا الصراط الذي اعتادوا المشي فيه لعجزوا ولم يعرفوا طريقا: يعني أنهم لا يقدرون إلا على سلوك الطريق المعتاد دون ما وراءه من سائر الطرق والمسالك كما ترى العميان يهتدون فيما ألقوا وضروا به من المقاصد دون غيرها (على مكانتهم) وقرئ على
(٣٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 ... » »»