____________________
يصح؟ قلت: قد بذل وسعه وفعل ما يفعل الذابح من بطحه على شقه وإمرار الشفرة على حلقه، ولكن الله سبحانه جاء بما منع الشفرة أن تمضى فيه وهذا لا يقدح في فعل إبراهيم عليه السلام، ألا ترى أنه لا يسمى عاصيا ولا مفرطا بل يسى مطيعا ومجتهدا كما لو مضت فيه الشفرة وفرت الأوداج وأنهرت الدم، وليس هذا من ورود النسخ على المأمور به قبل الفعل ولا قبل أو ان الفعل في شئ كما يسبق إلى بعض الأوهام حتى يشتغل بالكلام فيه. فإن قلت:
الله تعالى هو المفتدى منه لأنه الآمر بالذبح فكيف يكون فاديا حتى قال وفديناه؟ قلت: الفادي هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام والله عز وجل وهب له الكبش ليفدى به، وإنما قال وفديناه إسنادا للفداء إلى السبب الذي هو الممكن من الفداء بهبته. فإن قلت: فإذا كان ما أتى به إبراهيم من البطح وإمرار الشفرة في حكم الذبح فما معنى الفداء، والفداء إنما هو التخليص من الذبح ببدل؟ قلت: قد علم بمنع الله أن حقيقة الذبح لم تحصل من فرى الأوداج وإنهار الدم، فوهب الله الكبش ليقيم ذبحه مقام تلك الحقيقة حتى لا تحصل تلك الحقيقة في نفس إسماعيل ولكن في نفس الكبش بدلا منه. فإن قلت: فأي فائدة في تحصيل تلك الحقيقة وقد استغنى عنها بقيام ما وجد من إبراهيم مقام الذبح من غير نقصان؟ قلت: الفائدة في ذلك أن يوجد ما منع منه في بدله حتى يكمل منه الوفاء بالمنذور وإيجاد المأمور به من كل وجه. فإن قلت: لم قيل ههنا (كذلك نجزى المحسنين) وفي غيرها من القصص إنا كذلك؟ قلت: قد سبقه في هذه القصة إنا كذلك، فكأنما استخف بطرحه اكتفاء بذكره مرة من ذكره ثانية (نبيا) حال مقدرة كقوله تعالى - فادخلوها خالدين - فإن قلت: فرق بين هذا وبين قوله فادخلوها خالدين، وذلك أن المدخول موجود مع وجود الدخول، والخلود غير موجود معهما، فقدرت مقدرين الخلود فكان مستقيما، وليس كذلك المبشر به فإنه معدوم وقت وجود البشارة، وعدم المبشر به أوجب عدم حاله لا محالة لأن الحال حلية والحلية لا تقوم إلا بالمحلى، وهذا المبشر به الذي هو إسحاق حين وجد لم توجد النبوة أيضا بوجوده بل تراخت عنه مدة متطاولة، فكيف يجعل نبيا حالا مقدرة والحال صفة الفاعل أو المفعول عند وجود الفعل منه أو به، فالخلود وإن لم يكن صفتهم عند دخول الجنة فتقديرها صفتهم لأن المعنى مقدرين الخلود، وليس كذلك النبوة فإنه لا سبيل إلى أن تكون موجودة أو مقدرة وقت وجود البشارة بإسحق لعدم إسحاق؟ قلت: هذا سؤال دقيق السلك ضيق، والذي يحل الإشكال أنه لابد من تقدير مضاف محذوف وذلك قولك وبشرناه بوجود إسحاق نبيا: أي بأن يوجد مقدرة نبوته، فالعامل في الحال الوجود لافعل البشارة وبذلك يرجع نظير قوله تعالى - فادخلوها خالدين - (من الصالحين) حال ثانية وورودها على سبيل الثناء والتقريظ، لأن كل نبي لابد أن يكون من الصالحين. وعن قتادة بشره الله بنبوة إسحاق بعد ما امتحنه بذبحه وهذا جواب من يقول الذبيح إسحاق لصاحبه عن تعلقه بقوله - وبشرناه بإسحق - قالوا: ولا يجوز أن يبشره الله بمولده ونبوته معا لأن الامتحان بذبحه لا يصح مع علمه بأنه سيكون نبيا (وباركنا عليه وعلى إسحاق) وقرئ وبركنا: أي أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا كقوله - وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين - وقيل باركنا على إبراهيم في أولاده وعلى إسحاق بأن أخرجنا أنبياء بني إسرائيل من صلبه، وقوله (وظالم لنفسه) نظيره - قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين - وفيه تنبيه
الله تعالى هو المفتدى منه لأنه الآمر بالذبح فكيف يكون فاديا حتى قال وفديناه؟ قلت: الفادي هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام والله عز وجل وهب له الكبش ليفدى به، وإنما قال وفديناه إسنادا للفداء إلى السبب الذي هو الممكن من الفداء بهبته. فإن قلت: فإذا كان ما أتى به إبراهيم من البطح وإمرار الشفرة في حكم الذبح فما معنى الفداء، والفداء إنما هو التخليص من الذبح ببدل؟ قلت: قد علم بمنع الله أن حقيقة الذبح لم تحصل من فرى الأوداج وإنهار الدم، فوهب الله الكبش ليقيم ذبحه مقام تلك الحقيقة حتى لا تحصل تلك الحقيقة في نفس إسماعيل ولكن في نفس الكبش بدلا منه. فإن قلت: فأي فائدة في تحصيل تلك الحقيقة وقد استغنى عنها بقيام ما وجد من إبراهيم مقام الذبح من غير نقصان؟ قلت: الفائدة في ذلك أن يوجد ما منع منه في بدله حتى يكمل منه الوفاء بالمنذور وإيجاد المأمور به من كل وجه. فإن قلت: لم قيل ههنا (كذلك نجزى المحسنين) وفي غيرها من القصص إنا كذلك؟ قلت: قد سبقه في هذه القصة إنا كذلك، فكأنما استخف بطرحه اكتفاء بذكره مرة من ذكره ثانية (نبيا) حال مقدرة كقوله تعالى - فادخلوها خالدين - فإن قلت: فرق بين هذا وبين قوله فادخلوها خالدين، وذلك أن المدخول موجود مع وجود الدخول، والخلود غير موجود معهما، فقدرت مقدرين الخلود فكان مستقيما، وليس كذلك المبشر به فإنه معدوم وقت وجود البشارة، وعدم المبشر به أوجب عدم حاله لا محالة لأن الحال حلية والحلية لا تقوم إلا بالمحلى، وهذا المبشر به الذي هو إسحاق حين وجد لم توجد النبوة أيضا بوجوده بل تراخت عنه مدة متطاولة، فكيف يجعل نبيا حالا مقدرة والحال صفة الفاعل أو المفعول عند وجود الفعل منه أو به، فالخلود وإن لم يكن صفتهم عند دخول الجنة فتقديرها صفتهم لأن المعنى مقدرين الخلود، وليس كذلك النبوة فإنه لا سبيل إلى أن تكون موجودة أو مقدرة وقت وجود البشارة بإسحق لعدم إسحاق؟ قلت: هذا سؤال دقيق السلك ضيق، والذي يحل الإشكال أنه لابد من تقدير مضاف محذوف وذلك قولك وبشرناه بوجود إسحاق نبيا: أي بأن يوجد مقدرة نبوته، فالعامل في الحال الوجود لافعل البشارة وبذلك يرجع نظير قوله تعالى - فادخلوها خالدين - (من الصالحين) حال ثانية وورودها على سبيل الثناء والتقريظ، لأن كل نبي لابد أن يكون من الصالحين. وعن قتادة بشره الله بنبوة إسحاق بعد ما امتحنه بذبحه وهذا جواب من يقول الذبيح إسحاق لصاحبه عن تعلقه بقوله - وبشرناه بإسحق - قالوا: ولا يجوز أن يبشره الله بمولده ونبوته معا لأن الامتحان بذبحه لا يصح مع علمه بأنه سيكون نبيا (وباركنا عليه وعلى إسحاق) وقرئ وبركنا: أي أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا كقوله - وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين - وقيل باركنا على إبراهيم في أولاده وعلى إسحاق بأن أخرجنا أنبياء بني إسرائيل من صلبه، وقوله (وظالم لنفسه) نظيره - قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين - وفيه تنبيه