الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٢٦
هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون * إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون
____________________
يعدون بكسر السين وضمها وهي النفخة الثانية. قرئ يا ويلتنا. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: من أهبنا من هب من نومه إذا انتبه وأهبه غيره. وقرئ من هبنا بمعنى أهبناه وعن بعضهم: أراد هب بنا فحذف الجار وأوصل الفعل. وقرئ من بعثنا ومن هبنا على من الجارة والمصدر، و (هذا) مبتدأ، و (ما وعد) خبره وما مصدرية أو موصولة، ويجوز أن يكون هذا صفة للمرقد وما وعد خبر مبتدأ محذوف: أي هذا وعد الرحمن، أو مبتدأ محذوف الخبر: أي ما وعد (الرحمن وصدق المرسلون) حق، وعن مجاهد: للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم، فإذا صيح بأهل القبور قالوا من بعثنا، وأما - هذا ما وعد الرحمن - فكلام الملائكة. عن ابن عباس وعن الحسن:
كلام المتقين. وقيل كلام الكافرين يتذكرون ما سمعوه من الرسل فيجيبون به أنفسهم أو بعضهم بعضا. فإن قلت:
إذا جعلت ما مصدرية كان المعنى: هذا وعد الرحمن وصدق المرسلين على تسمية الموعود والمصدوق فيه بالوعد والصدق فما وجه قوله - وصدق المرسلون - إذا جعلتها موصولة؟ قلت: تقديره هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون بمعنى والذي صدق فيه المرسلون من قولهم صدقوهم الحديث والقتال، ومنه: صدقني سن بكره.
فإن قلت: من بعثنا من مرقدنا سؤال عن الباعث فكيف طابقه ذلك جوابا؟ قلت: معناه بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأنبأكم به الرسل إلا أنه جئ به على طريقة سيئت بها قلوبهم ونعيت إليهم أحوالهم وذكروا كفرهم وتكذيبهم وأخبروا بوقوع ما أنذروا به، وكأنه قيل لهم: ليس بالبعث الذي عرفتموه وهو بعث النائم من مرقده حتى يهمكم السؤال عن الباعث، إن هذا هو البعث الأكبر ذو الأهوال والافزاع، وهو الذي وعده الله في كتبه المنزلة على ألسنة رسله الصادقين (إلا صيحة واحدة) قرئت منصوبة ومرفوعة (فاليوم لا تظلم نفس شيئا... إن أصحاب الجنة اليوم في شغل) حكاية ما يقال لهم في ذلك اليوم وفي مثل هذه الحكاية زيادة تصوير للموعود وتمكين له في النفوس وترغيب في الحرص عليه وعلى ما يثمره في شغل: في أي شغل، وفي شغل لا يوصف وما ظنك بشغل من سعد بدخول الجنة التي هي دار المتقين ووصل إلى نيل تلك الغبطة وذلك الملك الكبير والنعيم المقيم، ووقع في تلك الملاذ التي أعدها الله للمرتضين من عباده ثوابا لهم على أعمالهم مع كرامة وتعظيم، وذلك بعد الوله والصبابة
(٣٢٦)
مفاتيح البحث: الصدق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 ... » »»