الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٢١
ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون * وإن كل لما جميع لدينا محضرون * وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون * ليأكلوا من ثمره
____________________
في معنى تعظيم ما جنوه على أنفسهم ومحنوها به وفرط إنكاره له وتعجيبه منه، وقراءة من قرأ يا حسرنا تعضد هذا الوجه، لان المعنى: يا حسرتي وقرئ يا حسرة العباد على الإضافة إليهم لاختصاصها بهم من حيث إنها موجهة إليهم، ويا حسرة على العباد على إجراء الوصل مجرى الوقف (ألم يروا) ألم يعلموا، وهو معلق عن العمل في (كم) لان كم لا يعمل فيها عامل قبلها كانت للاستفهام أو للخبر لان أصلها الاستفهام إلا أن معناه نافذ في الجملة كما نفذ قي قولك: ألم يروا إن زيادا لمنطلق، وإن لم يعمل في لفظه، و (أنهم إليهم لا يرجعون) بدل من كم أهلكنا على المعنى لا على اللفظ، تقديره: ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم. وعن الحسن:
كسر إن على الاستئناف. وفي قراءة ابن مسعود ألم يروا من أهلكنا، والبدل على هذه القراءة بدل اشتمال، وهذا مما يرد قول أهل الرجعة. ويحكى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قيل له: إن قوما يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة، فقال: بئس القوم نحن إن نكحنا نساءه وقسمنا ميراثه. قرئ لما بالتخفيف على أن ما صلة للتأكيد وإن مخففة من الثقيلة وهي متلقاة باللام لا محالة، ولما بالتشديد بمعنى إلا كالتي في مسألة الكتاب نشدتك بالله لما فعلت وإن نافية. والتنوين في كل هو الذي يقع عوضا من المضاف إليه كقولك مررت بكل قائما، والمعنى:
أن كلهم محشورون مجموعون محضرون للحساب يوم القيامة، وقيل محضرون معذبون. فإن قلت: كيف أخبر عن كل بجميع ومعناهما واحد؟ قلت: ليس بواحد لان كلا يفيد معنى الإحاطة وأن لا ينفلت منهم أحد والجميع معناه الاجتماع وأن المحشر يجمعهم والجميع فعيل بمعنى مفعول، يقال حي جميع وجاءوا جميعا. القراءة بالميتة على الخفة أشيع لسلسها على اللسان، و (أحييناها) استئناف بيان لكون الأرض الميتة آية وكذلك نسلخ. ويجوز أن توصف الأرض والليل بالفعل لأنه أريد بهما الجنسان مطلقين لا أرض وليل بأعيانهما فعوملا معاملة النكرات في وصفهما بالافعال، ونحوه * ولقد أمر على اللئيم يسبني * وقوله (فمنه يأكلون) بتقديم الظرف للدلالة على أن الحب هو الشئ الذي يتعلق به معظم العيش ويقوم بالارتزاق منه صلاح الانس، وإذا قل جاء القحط ووقع الضر، وإذا فقد جاء الهلاك ونزل البلاء. قرئ (وفجرنا) بالتخفيف والتثقيل والفجر والتفجير كالفتح والتفتيح لفظا ومعنى، وقرئ (ثمره) بفتحتين وضمتين وضمة وسكون والضمير لله تعالى، والمعنى: ليأكلوا مما خلقه الله
(٣٢١)
مفاتيح البحث: الأكل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»