الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٢٢
وما عملته أيديهم أفلا يشكرون * سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون * وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون * والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم
____________________
من الثمر (و) من (ما عملته أيديهم) من الغرس والسقي والآبار وغير ذلك من الأعمال إلى أن بلغ الثمر منتهاه وإبان أكله: يعني أن الثمر في نفسه فعل الله وخلقه وفيه آثار من كد بني آدم، وأصله من ثمرنا كما قال وجعلنا وفجرنا، فنقل الكلام من التكلم إلى الغيبة على طريقة الالتفاف. ويجوز أن يرجع إلى النخيل وتترك الاعناب غير مرجوع إليها لأنه علم أنها في حكم النخيل فيما علق به من أكل ثمره، ويجوز أن يراد من ثمر المذكور وهو الجنات كما قال رؤبة: فيها خطوط من بياض وبلق * كأنه في الجلد توليع البهق فقيل له فقال أردت كأن ذاك، ولك أن تجعل ما نافية على أن الثمر خلق الله ولم تعمله أيدي الناس ولا يقدرون عليه وقرئ على الوجه الأول وما عملت من غير رجع وهي في مصاحف أهل الكوفة كذلك، وفي مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشأم مع الضمير (الأزواج) الأجناس والأصناف (ومما لا يعلمون) ومن أزواج لم يطلعهم الله عليها ولا توصلوا إلى معرفتها بطريق من طرق العلم، ولا يبعد أن يخلق الله تعالى من الخلائق الحيوان والجماد ما لم يجعل للبشر طريقا إلى العلم به لأنه لا حاجة بهم في دينهم ودنياهم إلى ذلك العلم، ولو كانت بهم إليه حاجة لأعلمهم بما لا يعلمون كما أعلمهم بوجود ما لا يعلمون. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، لم يسمهم وفي الحديث " ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما أطلعتهم عليه " فأعلمنا بوجوده وإعداده ولم يعلمنا به ما هو ونحوه - فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين - وفي الاعلام بكثرة ما خلق مما علموه ومما جهلوه ما دل على عظم قدرته واتساع ملكه. سلخ جلد الشاة: إذا كشطه عنها وأزاله، ومنه سلخ الحية لخرشائها، فاستعير لإزالة الضوء وكشفه عن مكان الليل وملقى ظله (مظلمون) داخلون في الظلام يقال أظلمنا كما تقول أعتمنا وأدجينا (لمستقر ولها) لحد لها مؤقت مقدر تنتهي إليه من فلكها في آخر السنة، شبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره أو لمنتهى لها من المشارق والمغارب لأنها تتقصاها مشرقا مشرقا ومغربا حتى تبلغ أقصاها ثم ترجع، فذلك حدها ومستقرها لأنها لا تعدوه، أو لحد لها من مسيرها كل يوم في مرأى عيوننا وهو المغرب. وقيل مستقرها: أجلها الذي أقر الله عليه أمرها في جريها فاستقرت عليه وهو آخر السنة. وقيل الوقت الذي تستقر فيه وينقطع جريها وهو يوم القيامة.
وقرئ: تجرى إلى مستقر لها. وقرأ ابن مسعود لا مستقر لها: إلا تزال تجرى لا تستقر. وقرئ لا مستقر لها على أن لا بمعنى ليس (ذلك) الجري على ذلك التقدير والحساب الدقيق الذي تكل الفطن عن استخراجه وتتحير الافهام في استنباطه ما هو إلا تقدير الغالب بقدرته على كل مقدور المحيط علما بكل معلوم. قرئ والقمر رفعا على الابتداء
(٣٢٢)
مفاتيح البحث: العزّة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 ... » »»