____________________
ولا يرهقه الحزن. فإن قلت: ما تقول فيمن يقول إن قرأ قارئ أنا نعلم بالفتح انتقضت صلاته، وإن اعتقد ما يعطيه من المعنى كفر؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يكون على حذف لام التعليل وهو كثير في اقرآن وفي الشعر وفي كل كلام وقياس مطرد، وهذا معناه: ومعنى الكسر سواء، وعليه تلبية رسول الله صل الله عليه وسلم:
إن الحمد والنعمة لك، كسر أبو حنيفة وفتح الشافعي وكلاهما تعليل. والثاني أن يكون بدلا من قولهم كأنه قيل:
فلا يحزنك أنا نعلم ما يسرون وما يعلنون، وهذا المعنى قائم مع المكسورة إذا جعلتها مفعولة للقول، فقد تبين أن تعلق الحزن بكون الله عالما وعدم تعلقه لا يدوران على كسر إن وفتحها، وإنما يدوران على تقديرك فتفصل إن فتحت بأن تقدر معنى التعليل ولا تقدر البدل، كما أنك تفصل بتقدير معنى التعليل إذا كسرت ولا تقدر معنى المفعولية، ثم إن قدرته كاسرا أو فاتحا على ما عظم فيه الخطب ذلك القائل فما فيه إلا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن على كون الله عالما بسرهم وعلانيتهم وليس النهي عن ذلك مما يوجب شيئا، ألا ترى إلى قوله تعالى - فلا تكونن ظهيرا للكافرين - ولا تكونن من المشركين - ولا تدع مع الله إلها آخر - قبح الله عز وجل إنكارهم البعث تقبيحا لا ترى أعجب منه وأبلغ وأدل على تمادي كفر الانسان وإفراطه في جحود النعم وعقوق الأيادي وتوغله في الخسة وتغلغله في القحة، حيث قرره بأن عنصره الذي خلقه منه هو أخس شئ وأمهنه وهو النطفة المذرة الخارجة من الإحليل الذي هو قناة النجاسة. ثم عجب من حاله بأن يتصدى مثله على مهانة أصله ودناءة أوله لمخاصمة الجبار وشرز صفحته لمجادلته ويركب متن الباطل ويلج ويمحك ويقول من يقدر على إحياء الميت بعد ما رمت عظامه، ثم يكون خصامه في ألزم وصف له وألصقه به وهو كونه منشأ من موات وهو ينكر إنشائه من موات وهي المكابرة التي لا مطمح وراءها. وروى أن جماعة من كفار قريش منهم أبي بن خلف الجمحي وأبو جهل والعاصي بن وائل والوليد بن المغيرة تكلموا في ذلك فقال لهم أبي: ألا ترون إلى ما يقول محمد إن الله يبعث الأموات، ثم قال: واللات والعزى لأصيرين إليه ولأخصمنه، وأخذ عظما باليا فجعل يفته بيده وهو يقول: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رم؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم ويبعثك ويدخلك جهنم. وقيل معنى قوله (فإذا هو خصيم مبين) فإذا هو بعد ما كان ماء مهينا رجل مميز منطيق قادر على الخصام مبين معرب عما في نفسه فصيح كما قال تعالى - أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين - فإن قلت: لم سمى قوله (من يحيي العظام وهي رميم) مثلا. قلت: لما دل عليه من قصة عجيبة شبيهة بالمثل وهي إنكار قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، أو لما فيه من التشبيه لان ما أنكر من قبيل ما يوصف الله بالقدرة عليه بدليل النشأة الأولى، فإذا قيل من يحيي العظام على طريق الانكار لان يكون ذلك مما يوصف الله تعالى بكونه قادرا عليه كان تعجيزا لله وتشبيها له بخلقه في أنهم غير موصوفين بالقدرة عليه. والرميم: اسم لما بلى من العظام غير صفة كالرمة والرفات، فلا يقال لم لم يؤنث وقد وقع خبرا لمؤنث ولا هو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول، ولقد استشهد بهذه الآية من يثبت الحياة في العظام ويقول إن عظام الميتة نجسة لان الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها. وأما أصحاب أبي حنيفة فهي عندهم
إن الحمد والنعمة لك، كسر أبو حنيفة وفتح الشافعي وكلاهما تعليل. والثاني أن يكون بدلا من قولهم كأنه قيل:
فلا يحزنك أنا نعلم ما يسرون وما يعلنون، وهذا المعنى قائم مع المكسورة إذا جعلتها مفعولة للقول، فقد تبين أن تعلق الحزن بكون الله عالما وعدم تعلقه لا يدوران على كسر إن وفتحها، وإنما يدوران على تقديرك فتفصل إن فتحت بأن تقدر معنى التعليل ولا تقدر البدل، كما أنك تفصل بتقدير معنى التعليل إذا كسرت ولا تقدر معنى المفعولية، ثم إن قدرته كاسرا أو فاتحا على ما عظم فيه الخطب ذلك القائل فما فيه إلا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن على كون الله عالما بسرهم وعلانيتهم وليس النهي عن ذلك مما يوجب شيئا، ألا ترى إلى قوله تعالى - فلا تكونن ظهيرا للكافرين - ولا تكونن من المشركين - ولا تدع مع الله إلها آخر - قبح الله عز وجل إنكارهم البعث تقبيحا لا ترى أعجب منه وأبلغ وأدل على تمادي كفر الانسان وإفراطه في جحود النعم وعقوق الأيادي وتوغله في الخسة وتغلغله في القحة، حيث قرره بأن عنصره الذي خلقه منه هو أخس شئ وأمهنه وهو النطفة المذرة الخارجة من الإحليل الذي هو قناة النجاسة. ثم عجب من حاله بأن يتصدى مثله على مهانة أصله ودناءة أوله لمخاصمة الجبار وشرز صفحته لمجادلته ويركب متن الباطل ويلج ويمحك ويقول من يقدر على إحياء الميت بعد ما رمت عظامه، ثم يكون خصامه في ألزم وصف له وألصقه به وهو كونه منشأ من موات وهو ينكر إنشائه من موات وهي المكابرة التي لا مطمح وراءها. وروى أن جماعة من كفار قريش منهم أبي بن خلف الجمحي وأبو جهل والعاصي بن وائل والوليد بن المغيرة تكلموا في ذلك فقال لهم أبي: ألا ترون إلى ما يقول محمد إن الله يبعث الأموات، ثم قال: واللات والعزى لأصيرين إليه ولأخصمنه، وأخذ عظما باليا فجعل يفته بيده وهو يقول: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رم؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم ويبعثك ويدخلك جهنم. وقيل معنى قوله (فإذا هو خصيم مبين) فإذا هو بعد ما كان ماء مهينا رجل مميز منطيق قادر على الخصام مبين معرب عما في نفسه فصيح كما قال تعالى - أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين - فإن قلت: لم سمى قوله (من يحيي العظام وهي رميم) مثلا. قلت: لما دل عليه من قصة عجيبة شبيهة بالمثل وهي إنكار قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، أو لما فيه من التشبيه لان ما أنكر من قبيل ما يوصف الله بالقدرة عليه بدليل النشأة الأولى، فإذا قيل من يحيي العظام على طريق الانكار لان يكون ذلك مما يوصف الله تعالى بكونه قادرا عليه كان تعجيزا لله وتشبيها له بخلقه في أنهم غير موصوفين بالقدرة عليه. والرميم: اسم لما بلى من العظام غير صفة كالرمة والرفات، فلا يقال لم لم يؤنث وقد وقع خبرا لمؤنث ولا هو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول، ولقد استشهد بهذه الآية من يثبت الحياة في العظام ويقول إن عظام الميتة نجسة لان الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها. وأما أصحاب أبي حنيفة فهي عندهم