الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٢٥
* وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون * وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين * ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون * قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا
____________________
وقرأ الحسن رضي الله عنه نغرقهم (اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم) كقوله تعالى - أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض - وعن مجاهد: ما تقدم من ذنوبكم وما تأخر. وعن قتادة: ما بين أيديكم من الوقائع التي خلت: يعني من مثل الوقائع التي ابتليت بها الأمم المكذبة بأنبيائها، وما خلفكم من أمر الساعة (لعلكم ترحمون) لتكونوا على رجاء رحمة الله، وجواب إذا محذوف مدلول عليه بقوله (إلا كانوا عنها معرضين) فكأنه قال: وإذا قيل لهم اتقوا أعرضوا، ثم قال: ودأبهم الاعراض عند كل آية وموعظة. كان الزنادقة منهم يسمعون المؤمنين يعلقون أفعال الله تعالى بمشيئته فيقولون: لو شاء الله لاغنى فلانا ولو شاء لاعزه ولو شاء لكان كذا، فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين وبما كانوا يقولونه من تعليق الأمور بمشيئة الله، ومعناه: أنطعم المقول فيه هذا القول بينكم، وذلك أنهم كانوا دافعين أن يكون الغنى والفقر من الله لانهم معطلة لا يؤمنون بالصانع وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كان بمكة زنادقة، فإذا أمروا بالصدقة على المساكين قالوا: لا والله، أيفقره الله ونطعمه نحن؟ وقيل كانوا يوهمون أن الله تعالى لما كان قادرا على إطعامه ولا يشاء إطعامه فنحن أحق بذلك.
نزلت في مشركي قريش حين قال فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطونا مما زعمتم من أموالكم أنها لله: يعنون قوله - وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا - فحرموهم وقالوا لو شاء الله لأطعمكم (إن أنتم إلا في ضلال مبين) قول الله لهم، أو حكاية قول المؤمنين لهم، أو هو من جملة جوابهم للمؤمنين. قرئ وهم يخصمون بإدغام التاء في الصاد مع فتح الخاء وكسرها وإتباع الياء الخاء في الكسر ويختصمون على الأصل ويخصمون من خصمه، والمعنى: أنها تبغتهم وهم في أمنهم وغفلتهم عنها لا يخطرونها ببالهم مشتغلين بخصوماتهم في متاجرهم ومعاملاتهم وسائر ما يتخاصمون فيه ويتشاجرون، ومعنى يخصمون: يخصم بعضهم بعضا. وقيل تأخذهم وهم عند أنفسهم يخصمون في الحجة في أنهم لا يبعثون (فلا يستطيعون) أن يوصوا في شئ من أمورهم (توصية) ولا يقدرون على الرجوع إلى منازلهم وأهاليهم بل يموتون بحيث تفجؤهم الصيحة. قرئ الصور بسكون الواو وهو القرن أو جمع صورة وحركها بعضهم، و (الأجداث) القبور، وقرئ بالفاء (ينسلون)
(٣٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 ... » »»