____________________
خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وقاول الكفرة فقالوا: أو أنت تخال ديننا؟ فوثبوا عليه فقتلوه، وقيل توطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره، وقيل رجموه وهو يقول: اللهم اهد قومي، وقبره في سوق أنطاكية، فلما قتل غضب الله عليهم فأهلكوا بصيحة جبريل عليه السلام. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: علي بن أبي طالب، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون " (من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون) كلمة جامعة في الترغيب فيهم: أي لا تخسرون معهم شيئا من دنياكم وتربحون صحة دينكم فينتظم لكم خير الدنيا وخير الآخرة. ثم أبرز الكلام في معرض المناصحة لنفسه وهو يريد مناصحتهم ليتلطف بهم ويداريهم، ولأنه أخل في إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لروحه، ولقد وضع قوله (وما لي لا أعبد الذي فطرني) مكان قوله: وما لكم لا تعبدون الذي فطركم، ألا ترى إلى قوله (وإليه ترجعون) ولولا أنه قصد ذلك لقال الذي فطرني وإليه أرجع. وقد ساقه ذلك السماق إلى أن قال - آمنت بربكم فاسمعون - يريد فاسمعوا قولي وأطيعوني فقد نبهتكم على الصحيح الذي لا معدل عنه أن العبادة لا تصح إلا لمن منه مبتدؤكم وإليه مرجعكم، وما أدفع العقول وأنكرها لان تستحبوا على عبادته عبادة أشياء إن أرادكم هو بضر وشفع لكم هؤلاء لم تنفع شفاعتهم ولم يمكنوا من أن شفعاء عنده ولم يقدروا على إنقاذكم منه بوجه من الوجوه، إنكم في هذا الاستحباب لواقعون في ضلال ظاهر بين لا يخفى على ذي عقل وتمييز. وقيل لما نصح قومه أخذوا يرجمونه، فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال لهم (إني آمنت بربكم فاسمعون) أي اسمعوا إيماني تشهدوا لي به. وقرئ إن يردني الرحمن بضر: بمعنى إن يوردني ضراء: أي يجعلني موردا للضر. أي لما قتل (قيل) له (ادخل الجنة) وعن قتادة:
أدخله الله الجنة وهو فيها حي يرزق، أراد قوله تعالى - بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين - وقيل معناه البشرى بدخول الجنة وأنه من أهلها. فإن قلت: كيف مخرج هذا القول في علم البيان؟ قلت: مخرجه مخرج الاستئناف لان هذا من مظان المسألة عن حاله عند لقاء ربه كأن قائلا قال: كيف كان لقاء ربه بعد ذلك التصلب في نصرة دينه والتسخي لوجهه بروحه؟ فقيل: قيل ادخل الجنة، ولم يقل قيل له لانصباب الغرض إلى المقول وعظمه، لا إلى المقول له مع كونه معلوما وكذلك (قال يا ليت قومي يعلمون) مرتب على تقدير سؤال سائل عما وجد من قوله عند ذلك الفوز العظيم، وإنما تمنى علم قومه بحاله ليكون علمهم بها سببا لاكتساب مثلها لأنفسهم بالتوبة عن الكفر والدخول في الايمان والعمل الصالح المفضيين بأهلها إلى الجنة، وفي حديث مرفوع " ونصح قومه حيا وميتا " وفيه تنبيه عظيم على وجوب كظم الغيظ والحلم عن الجهل والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الاشراف وأهل البغي والتشمر في تخليصه والتلطف في افتدائه والاشتغال بذلك عن الشماتة به والدعاء عليه، ألا ترى كيف تمنى
أدخله الله الجنة وهو فيها حي يرزق، أراد قوله تعالى - بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين - وقيل معناه البشرى بدخول الجنة وأنه من أهلها. فإن قلت: كيف مخرج هذا القول في علم البيان؟ قلت: مخرجه مخرج الاستئناف لان هذا من مظان المسألة عن حاله عند لقاء ربه كأن قائلا قال: كيف كان لقاء ربه بعد ذلك التصلب في نصرة دينه والتسخي لوجهه بروحه؟ فقيل: قيل ادخل الجنة، ولم يقل قيل له لانصباب الغرض إلى المقول وعظمه، لا إلى المقول له مع كونه معلوما وكذلك (قال يا ليت قومي يعلمون) مرتب على تقدير سؤال سائل عما وجد من قوله عند ذلك الفوز العظيم، وإنما تمنى علم قومه بحاله ليكون علمهم بها سببا لاكتساب مثلها لأنفسهم بالتوبة عن الكفر والدخول في الايمان والعمل الصالح المفضيين بأهلها إلى الجنة، وفي حديث مرفوع " ونصح قومه حيا وميتا " وفيه تنبيه عظيم على وجوب كظم الغيظ والحلم عن الجهل والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الاشراف وأهل البغي والتشمر في تخليصه والتلطف في افتدائه والاشتغال بذلك عن الشماتة به والدعاء عليه، ألا ترى كيف تمنى