____________________
وذل الباطل، وإذا كان الكلام منصبا إلى غرض من الأغراض جعل سياقه له وتوجهه إليه كأن ما سواه مرفوض مطرح، ونظيره قولك: حكم السلطان اليوم بالحق. الغرض المسوق إليه قولك بالحق فلذلك رفضت ذكر المحكوم له والمحكوم عليه. إنما رفع بشر ونصب في قوله - ما هذا بشرا - لان إلا تنقض النفي فلا يبقى لما المشبهة بليس شبه فلا يبقى له عمل. فإن قلت: لم قيل (إنا إليكم مرسلون) أولا، و (إنا إليكم لمرسلون) آخرا؟ قلت: لان الأول ابتداء إخبار، والثاني جواب عن إنكار. وقوله ربنا يعلم جار مجرى القسم في التوكيد وكذلك قولهم: شهد الله، وعلم الله، وإنما حسن منهم هذا الجواب الوارد على طريق التوكيد والتحقيق مع قولهم (وما علينا الا البلاغ المبين) أي الظاهر المكشوف بالآيات الشاهدة لصحته، وإلا فلو قال المدعى: والله إني لصادق فيما أدعى ولم يحضر البينة كان قبيحا (تطيرنا بكم) تشاءمنا بكم، وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منهم نفوسهم، وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شئ مالوا إليه واشتهوه وآثروه وقبلته طباعهم ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه، فإن أصابهم نعمة أو بلاء قالوا ببركة هذا وبشؤم هذا كما حكى الله عن القبط - وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه - وعن مشركي مكة - وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك - وقيل حبس عنهم القطر فقالوا ذلك. وعن قتادة: إن أصابنا شئ كان من أجلكم (طائركم معكم) وقرئ طيركم: أي سبب شؤمكم معكم وهو كفرهم، أو أسباب شؤمكم معكم وهي كفرهم ومعاصيهم. وقرأ الحسن أطيركم: أي تطيركم. وقرئ أئن ذكرتم بهمزة الاستفهام وأن الناصبة: يعني أتطيركم لان ذكرتم. وقرئ أن وإن بغير استفهام لمعنى الاخبار: أي تطيرتم لان ذكرتم أو إن ذكرتم تطيرتم، وقرئ أين ذكرتم على التخفيف: أي شؤمكم معكم حيث جرى ذكركم وإذا شئم المكان بذكرهم، كان بحلولهم فيه أشأم (بل أنتم قوم مسرفون) في العصيان ومن ثم أتاكم الشؤم لا من قبل رسل الله وتذكيرهم أو بل أنتم قوم مسرفون في ضلالكم متمادون في غيكم حيث تتشاءمون بمن يجب التبرك به من رسل الله (رجل يسعى) هو حبيب ابن إسرائيل النجار وكان ينحت الأصنام، وهو ممن آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهما ستمائة سنة كما آمن به تبع الأكبر وورقة بن نوفل وغيرهما ولم يؤمن بنبي أحد إلا بعد ظهوره. وقيل كان في غار يعبد الله، فلما بلغه