الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣١٧
وآثارهم وكل شئ أحصيناه في إمام مبين * واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون * إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا
____________________
المسلمين وسكة أحدثها فيها تخسيرهم، وشئ أحدث فيه صد عن ذكر الله من ألحان وملاه، وكذلك كل سنة حسنة أو سيئة يستن بها، ونحوه قوله تعالى - ينبأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر - أي قدم من أعماله وأخر من آثاره.
وقيل هي آثار المشائين إلى المساجد. وعن جابر " أردنا النقلة إلى المسجد والبقاع حوله خالية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتانا في ديارنا وقال: يا بني سلمة بلغني أنكم تريدون النقلة إلى المسجد، فقلنا: نعم بعد علينا المسجد والبقاع حوله خالية، فقال: عليكم دياركم فإنما تكتب آثاركم " قال فما وددنا حضرة المسجد لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن عمر بن عبد العزيز: لو كان الله مغفلا شيئا لأغفل هذه الآثار التي تعفيها الرياح. والامام: اللوح. وقرئ ويكتب ما قدموا وأثارهم على البناء للمفعول وكل شئ بالرفع (واضرب لهم مثلا) ومثل لهم مثلا، من قولهم: عندي من هذا الضرب كذا: أي من هذا المثال، وهذه الأشياء على ضرب واحد: أي على مثال واحد، والمعنى: واضرب لهم مثلا مثل أصحاب القرية: أي أذكر لهم قصة عجيبة قصة أصحاب القرية، والمثل الثاني بيان للأول. وانتصاب إذ بأنه بدل من أصحاب القرية. والقرية: أنطاكية و (المرسلون) رسل عيسى عليه السلام إلى أهلها بعثهم دعاة إلى الحق وكانوا عبدة أوثان. أرسل إليهم اثنين، فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار صاحب يس، فسألهما فأخبراه، فقال: أمعكما آية؟
فقالا: نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص، وكان له ولد مريض من سنتين فمسحاه فقام، فآمن حبيب وفشا الخبر فشفى على أيديهما خلق كثير، ورقى حديثهما إلى الملك وقال لهما: ألنا إله سوى آلهتنا؟ قالا: نعم من أوجدك وآلهتك، فقال: حتى انظر في أمركما فتبعهما الناس وضربوهما، وقيل حبسا ثم بعث عيسى عليه السلام شمعون فدخل متنكرا وعاشر حاشية الملك حتى استأنسوا به ورفعوا خبره إلى الملك فأنس به، فقال له ذات يوم: بلغني أنك حبست رجلين فهل سمعت ما يقولانه؟ فقال لا، حال الغضب بيني وبين ذلك، فدعاهما فقال شمعون: من أرسلكما؟ قالا الله الذي خلق كل شئ وليس له شريك، فقال: صفاه وأوجزا، قالا: يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، قال: وما آيتكما؟ قالا: ما يتمنى الملك، فدعا بغلام مطموس العينين فدعوا الله حتى انشق له بصر وأخذا بندقتين فوضعاهما في حدقتيه فكانتا مقلتين ينظر بهما، فقال له شمعون: أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله الشرف؟ قال: ليس لي عنك سر إن إلهنا لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع، وكان شمعون يدخل معهم على الصنم فيصلى ويتضرع ويحسبون أنه منهم، ثم قال: إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به فدعوا بغلام مات من سبعة أيام فقام وقال: إني أدخلت في سبعة أودية من النار وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا، وقال: فتحت أبواب السماء فرأيت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة، قال الملك، ومن هم؟ قال: شمعون وهذان، فتعجب الملك، فلما رأى شمعون أن قوله قد أثر فيه نصحه فآمن وآمن معه قوم، ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل عليه السلام صيحة فهلكوا (فعززنا) فقوينا، يقال المطر يعزز الأرض: إذا لبدها وشدها، وتعزز لحم الناقة. وقرئ بالتخفيف من عزه يعزه: إذا غلبه، أي فغلبنا وقهرنا (بثالث) وهو شمعون. فإن قلت:
لم ترك ذكر المفعول به؟ قلت: لان الغرض المعزز به وهو شمعون وما لطف فيه من التدبير حتى عز الحق
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»