الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٠٨
إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور * إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير
____________________
صنعته وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس وما يستدل به عليه وعلى صفاته أتبعه ذلك (إنما يخشى الله من عباده العلماء) كأنه قال: إنما يخشاه مثلك ومن على صفتك ممن عرفه حق معرفته وعلمه كنه علمه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " أنا أرجوا أن أكون أتقاكم لله وأعلمكم به " فإن قلت: فما وجه قراءة من قرأ - إنما يخشى الله من عباده العلماء - وهو عمر بن عبد العزيز، ويحكى عن أبي حنيفة؟ قلت: الخشية في هذه القراءة استعارة، والمعنى: إنما يجلهم ويعظمهم كما يجل المهيب المخشى من الرجال بين الناس من بين جميع عباده (إن الله عزيز غفور) تعليل لوجوب الخشية لدلالته على عقوبة العصاة وقهرهم وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم، والمعاقب المثيب حقه أن يخشى (يتلون كتاب الله) يداومون على تلاوته وهي شأنهم وديدنهم. وعن مطرف رحمه الله: هي آية القراء. وعن الكلبي رحمه الله: يأخذون بما فيه. وقيل يعلمون ما فيه ويعملون به. وعن السدي رحمه الله: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم. وعن عطاء: هم المؤمنون (يرجون) خبر إن. والتجارة طلب الثواب بالطاعة و (ليوفيهم) متعلق بلن تبور: أي تجارة ينتفى عنها الكساد وتنفق عند الله ليوفيهم بنفاقها عنده (أجورهم) وهي ما استحقوه من الثواب (ويزيدهم) من التفضل على المستحق، وإن شئت جعلت يرجون في موضع الحال على وأنفقوا راجين ليوفيهم: أي فعلوا جميع ذلك من التلاوة وإقامة الصلاة والانفاق في سبيل الله لهذا الغرض، وخبر إن قوله (إنه غفور شكور) على معنى غفور لهم شكور لأعملهم والشكر مجاز عن الإثابة (الكتاب) القرآن، ومن للتبيين أو الجنس، ومن للتبعيض (مصدقا) حال مؤكدة لان الحق لا ينفك عن هذا التصديق (لما بين يديه) لما تقدمه من الكتب (لخبير بصير) يعني أنه خبرك وأبصر أحوالك فرآك أهلا لان يوحى إليك مثل هذا الكتاب المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب. فإن قلت: ما معنى قوله (ثم أورثنا الكتاب)؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما إنا أوحينا إليك القرآن ثم أورثناه من بعدك: أي حكمنا بتوريثه، أو قال: أورثناه وهو يريد نورثه لما عليه أخبار الله (الذين اصطفينا من عبادنا) وهم أمته من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة، لان الله اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس، واختصهم بكرامة الانتماء إلى أفضل رسل
(٣٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 ... » »»