الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٠٧
المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والانعام مختلف ألوانه كذلك
____________________
المنير) نحو التوراة والإنجيل والزبور، لما كانت هذه الأشياء في جنسهم أسند المجئ بها إليهم إسنادا مطلقا وإن كان بعضها في جميعهم وهي البينات وبعهضا في بعضهم وهي الزبر والكتاب، وفيه مسلاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ألوانها) أجنساها من الرمان والتفاح والتين والعنب وغيرها مما لا يحصر، أو هيئاتها من الحمرة والصفرة والخضرة ونحوها. والجدد الخطط والطرائق، قال لبيد: * أو مذهب جدد على ألواحه * ويقال جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره، وقد يكون للظبي جدتان مسكيتان تفصلان بين لوني ظهره وبطنه (وغرابيب) معطوف على بيض أو على جدد، كأنه قيل: ومن الجبال مخطط ذو جدد، ومنها ما هو على لون واحد غرابيب وعن عكرمة رضي الله عنه: هي الجبال الطوال السود. فإن قلت: الغربيب تأكيد للأسود، يقال أسود غربيب وأسود حلكوك وهو الذي أبعد في السواد وأغرب فيه، ومنه الغراب، ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد كقولك أصفر فاقع وأبيض يقق وما أشبه ذلك. قلت: وجهه أن يضمر المؤكد قبله ويكون الذي بعده تفسيرا لما أضمر كقوله النابغة * والمؤمن العائذات الطير * وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد حيث يدل على المعنى الواحد من طريقي الاظهار والإضمار جميعا، ولابد من تقدير حذف المضاف في قوله تعالى - ومن الجبال جدد - بمعنى ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود حتى يئول إلى قولك ومن الجبال مختلف ألوانه كما قال - ثمرات مختلف ألوانها - (ومن الناس والدواب والانعام مختلف ألوانه يعني ومنهم بعض مختلف ألوانه، وقرئ ألوانها، وقرأ الزهري جدد بالضم جمع جديدة وهي الجدة، يقال جديدة وجدد وجدائد كسفينة وسفن وسفائن، وقد فسر بها قول أبي ذويب يصف حمار وحش * جون السراة له جدائد أربع * وروى عنه جدد بفتحتين وهو الطريق الواضح المسفر، وضعه موضع الطرائق والخطوط الواضحة المنفصل بعضها من بعض. وقرئ والدواب مخففا، ونظير هذا التخفيف قراءة من قرأ " ولا الضألين " لان كل واحد منهما فرار من التقاء الساكنين فحرك ذاك أولهما وحذف هذا التخفيف قراءة من قرأ " ولا الضألين " لان كل واحد منهما فرار من التقاء الساكنين فحرك ذاك أولهما وحذف هذا آخرهما، وقوله (كذلك) أي كاختلاف الثمرات والجبال. المراد العلماء به الذين علموه بصفاته وعدله وتوحيده وما يجوز عليه وما لا يجوز، فعظموه وقدروه حق قدره وخشوه حق خشيته، ومن ازداد به علما ازداد منه خوفا ومن كان علمه به أقل كان آمن، وفي الحديث " أعلمكم بالله أشدكم له خشية " وعن مسرق كفى بالمرء علما أن يخشى، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعلمه. وقال رجل للشعبي: أفتني أيها العالم، فقال: العالم من خشي الله.
وقيل نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد ظهرت عليه الخشية حتى عرفت فيه. فإن قلت: هل يختلف المعنى إذا قدم المفعول في هذا الكلام أو أخر؟ قلت: لابد من ذلك، فإنك إذا قدمت اسم الله وأخرت العلماء كان المعنى: إن الذين يخشون الله من بين عباده هم العلماء دون غيرهم، وإذا عملت على العكس انقلب المعنى إلى أنهم لا يخشون إلا الله كقوله تعالى - ولا يخشون أحدا إلا الله - وهما معنيان مختلفان. فإن قلت: ما وجه اتصال هذا الكلام بما قبله؟ قلت: لما قال ألم تر بمعنى ألم تعلم أن الله أنزل من السماء ماء وعدد آيات الله وأعلام قدرته وآثار
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 ... » »»