الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٠٦
وإلى الله المصير * وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الاحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير * وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب
____________________
الطاعات وترك المعاصي. وقرئ ومن أزكى فإنما يزكى، وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم وإقامتهم الصلاة لأنهما من جملة التزكي (وإلى الله المصير) وعد للمتزكين بالثواب. فإن قلت: كيف اتصل قوله إنما تنذر بما قبله؟
قلت: لما غضب عليهم في قوله - إن يشأ يذهبكم - أتبعه الانذار بيوم القيامة وذكر أهوالها ثم قال إنما تنذر، كأن رسول الله صلى الله عليه ولم أسمعهم ذلك فلم ينفع فنزل إنما تنذر، أو أخبره الله تعالى بعلمه فيهم (الأعمى والبصير) مثل للكافر والمؤمن كما ضرب البحرين مثلا لهما أو للصنم والله عز وجل. والظلمات والنور، والظل والحرور مثلان للحق والباطل وما يؤديان إليه من الثواب والعقاب، والاحياء والأموات مثل للذين دخلوا في الاسلام والذين لم يدخلوا فيه وأصروا على الكفر. والحرور: السموم، إلا أن السموم يكون بالنهار والحرور بالليل والنهار، وقيل بالليل خاصة. فإن قلت: لا المقرونة بواو العطف ما هي؟ قلت: إذا وقعت الواو في النفي قرنت بها لتأكيد معنى النفي. فإن قلت: هل من فرق بين هذه الواوات؟ قلت: بعضها ضمت شفعا إلى شفع وبعضها وترا إلى وتر (إن الله يسمع من يشاء) يعني أنه قد علم من يدخل في الاسلام ممن لا يدخل فيه، فيهدى الذي قد علم أن الهداية تنفع فيه ويخذل من علم أنها لا تنفع فيه. وأما أنت فخفى عليك أمرهم، فلذلك تحرص وتتهالك على إسلام قوم من المخذولين ومثلك في ذلك مثل من يريد أن يسمع المقبورين وينذر وذلك ما لا سبيل إليه. ثم قال (إن أنت إلا نذير) أي ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر، فإن كان المنذر ممن يسمع الانذار نفع وإن كان من المصرين فلا عليك، ويحتمل - إن الله يسمع من يشاء - أنه قادر على أنه يهدي المطبوع على قلوبهم على وجه القسر والالجاء وغيرهم على وجه الهداية والتوفيق، وأما أنت فلا حيلة لك في المطبوع على قلوبهم الذين هم بمنزلة الموتى (بالحق) حال من أحد الضميرين: يعني محقا أو محقين، أو صفة للمصدر: أي إرسالا مصحوبا بالحق، أو صلة لبشير ونذير على بشيرا بالوعد الحق ونذيرا بالوعيد الحق. والأمة: الجماعة الكثيرة، قال الله تعالى - وجد عليه أمة من الناس - ويقال لأهل عصر أمة، وفي حدود المتكلمين الأمة هم المصدقون بالرسول صلى الله عليه وسلم دون المبعوث إليهم، وهم الذين يعتبر إجماعهم والمراد ههنا أهل العصر. فإن قلت: كم من أمة في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ولم يخل فيها نذير؟ قل: إذا كانت آثار النذارة باقية لم تخل من نذير إلى أن تندرس وحين اندرست آثارا نذارة عيسى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: كيف اكتفى بذكر النذير عن البشير في آخر الآية بعد ذكرهما؟ قلت: لما كانت النذارة مشفوعة بالبشارة لا محالة دل ذكرها على ذكرها لا سيما وقد اشتملت الآية على ذكرهما (بالبينات) بالشواهد على صحة النبوة وهي المعجزات (وبالزبر) وبالصحف (وبالكتاب
(٣٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 ... » »»