الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٠٩
جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب
____________________
الله وحمل الكتاب الذي هو أفض لكتب الله. ثم قسمهم إلى ظالم لنفسه مجرم وهو المرجأ لأمر الله، ومقتصد وهو الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا، وسابق من السابقين. والوجه الثاني أنه قدم إرساله في كل أمة رسولا وأنهم كذبوا رسلهم وقد جاءوهم بالبينات والزبر والكتاب المنير ثم قال: إن الذين يتلون كتاب الله فأثنى على التالين لكتبه العاملين بشرائعه من بين المكذبين بها من سائر الأمم، واعترض بقوله: والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق، ثم قال: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا: أي من بعد أولئك المذكورين، يريد بالمصطفين من عباده أهل الملة الحنيفية. فإن قلت: فكيف جعلت (جنات عدن) بدلا من الفضل الكبير الذي هو السبق بالخيرات المشار إليه بذلك؟ قلت: لما كان السبب في نيل الثواب نزل منزلة المسبب كأنه هو الثواب فأبدلت عنه جنات عدن وفي اختصاص السابقين بعد التقسيم بذكر ثوابهم والسكوت عن الآخرين ما فيه من وجوب الحذر، فليحذر المقتصد وليملك الظالم لنفسه حذرا، وعليهما بالتوبة النصوح المخلصة من عذاب الله، ولا يغترا بما رواه عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له " فإن شرط ذلك صحة التوبة لقوله تعالى - عسى الله أن يتوب عليهم - وقوله - إما يعذبهم وإما يتوب عليهم - ولقد نطق القرآن بذلك في مواضع من استقرأها اطلع على حقيقة الامر ولم يعلل نفسه بالخدع. وقرئ سباق، ومعنى بإذن الله بتيسيره وتوفيقه. فإن قلت: لم قدم الظالم ثم المقتصد ثم السابق؟ قلت: للإيذان بكثرة الفاسقين وغلبتهم، وأن المقتصدين قلل بالإضالة إليهم والسابقون أقل من القليل. وقرئ جنة عدن على الافراد كأنها جنة مختصة بالأسبقين، وجنات عدن بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر: أي يدخلون جنات عدن يدخلونها ويدخلونها على البناء
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 ... » »»