الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٠٥
* وما ذلك على الله بعزيز * ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه
____________________
في قوله - وخلق الانسان ضعيفا - وقال الله سبحانه وتعالى - الله الذي خلقكم من ضعف - ولو نكر لكان المعنى أنتم بعض الفقراء. فإن قلت: قد قوبل الفقراء بالغنى فما فائدة الحميد؟ قلت: لما أثبت فقرهم إليه وغناه عنهم وليس كل غني نافعا بغناه إلا إذا كان المغني جوادا منعما، فإذا جادوا أنعم حمده المنعم عليهم واستحق عليهم الحمد ذكر الحميد ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه الجواد المنعم عليهم المستحق بإنعامه عليهم أن يحمدوه الحميد على ألسنة مؤمنيهم (بعزيز) بممتنع، وهذا غضب عليهم لاتخاذهم له أندادا وكفرهم بآياته ومعاصيهم كما قال - وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: يخلق بعدكم من يعبده لا يشرك به شيئا. الوزر والوقر أخوان، ووزر الشئ إذا حمله، والوزارة صفة للنفس: والمعنى: أن كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الذي اقترفته لا تؤخذ نفس بذنب نفس كما تأخذ جبابرة الدنيا الولي بالولي والجار بالجار. فإن قلت: هلا قيل ولا تزر نفس وزر أخرى. ولم قيل وازرة؟ قلت: لان المعنى أن النفوس الوازرات لا ترى منهن واحدة إلا حاملة وزرها لا وزر غيرها. فإن قلت: كيف توفق بين هذا وبين قوله - وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم -؟
قلت: تلك الآية في الضالين المضلين، وأنهم يحملون أثقال إضلال الناس مع أثقال ضلالهم، وذلك كله أوزارهم ما فيها شئ من وزر غيرهم، ألا ترى كيف كذبهم الله تعالى في قولهم - اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم - بقوله تعالى - وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ - فإن قلت: ما الفرق بين معنى قوله (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وبين معنى (وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ)؟ قلت: الأول في الدلالة على عدل الله تعالى في حكمه وأنه تعالى لا يؤاخذ نفسا بغير ذنبها، والثاني في أن لا غياث يومئذ لمن استغاث حتى إن نفسا قد أثقلتها الأوزار وبهظتها لودعت إلى أن يخفف بعض وقرها لم تجب ولم تغث وإن كان المدعو بعض قرابتها من أب أو ولد أو أخ. فإن قلت:
إلام أسند كان في (ولو كان ذا قربى)؟ قلت: إلى المدعو المفهوم من قوله وإن تدع مثقلة. فإن قلت: فلم ترك ذكر المدعو؟ قلت: ليعم ويشمل كل مدعو. فإن قلت: كيف استقام إضمار العام ولا يصح أن يكون العام ذا قربى للمثقلة؟ قلت: هو من العموم الكائن على طريق البدل. فإن قلت: ما تقول فيمن قرأ ولو كان ذو قربى على كان التامة كقوله تعالى - وإن كان ذو عسرة -؟ قلت: نظم الكلام أحسن ملاءمة للناقصة، لان المعنى على أن المثقلة إن دعت أحدا إلى حملها لا يحمل منه شئ وإن كان مدعوها ذا قربى وهو معنى صحيح ملتئم، ولو قلت ولو وجد ذو قربى لتفكك وخرج من اتساقه والتئامه، على أن ههنا ما ساغ أن يستتر له ضمير في الفعل بخلاف ما أوردته (بالغيب) حال من الفاعل أو المفعول: أي يخشون ربهم غائبين عن عذابه أو يخشون عذابه غائبا عنهم. وقيل بالغيب في السر، وهذه صفة الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه، فكانت عادتهم المستمرة أن يخشوا الله، وهم الذين أقاموا الصلاة وتركوها منارا منصوبا وعلما مرفوعا: يعني إنما تقدر على إنذار هؤلاء وتحذيرهم من قومك، وعلى تحصيل منفعة الانذار فيهم دون متمرديهم وأهل عنادهم (ومن تزكى) ومن تطهر بفعل
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»