الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣١١
النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور * هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا
____________________
فنقول لهم. وقرء ما يذكر فيه من أذكر على الادغام وهو متناول لكل عمر تمكن فيه المكلف من إصلاح شأنه وإن قصر إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة " وعن مجاهد: ما بين العشرين إلى الستين، وقيل ثماني عشرة وسبع عشرة، و (النذير) الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل الشيب. وقرئ وجاءتكم النذر. فإن قلت: علام عطف وجاءكم النذير؟ قلت: على معنى: أو لم نعمركم، لان لفظة لفظ استخبار ومعناه معنى إخبار كأنه قيل: قد عمرناكم وجاءكم النذير (إنه عليم بذات الصدور) كالتعليل لأنه إذا علم ما في الصدور وهو أخفى ما يكون فقد علم كل غيب في العالم، وذات الصدر مضمراتها وهي تأنيث ذو في نحو قول أبي بكر رضي الله عنه: ذو بطن خارجة جارية. وقوله:
، لتغنى عني ذا إناثك أجمعا * المعنى: ما في بطنها من الحبل وما في إنائك من الشراب، لان الحبل والشراب يصحبان البطن والاناء، ألا ترى إلى قولهم معها حبل، وكذلك المضمرات تصحب الصدور وهي معها، وذو موضوع لمعنى الصحبة. يقال للمستخلف خليفة وخليف، فالخليفة تجمع خلائف والخليف خلفاء، والمعنى:
أنه جعلكم خلفاءه في أرضه قد ملككم مقاليد التصرف فيها وسلطكم على ما فيها وأباح لكم منافعها لتشكروه بالتوحيد والطاعة (فمن كفر) منكم وغمط مثل هذه النعمة السنية فوبال كفره راجع عليه، وهو مقت الله الذي ليس وراءه خزي وصغار، وخسار الآخرة الذي ما بقي بعده خسار. والمقت: أشد البغض، ومنه قيل لمن ينكح امرأة أبيه مقتى لكونه ممقوتا في كل قلب، وهو خطاب للناس. وقيل خطاب لمن بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلكم أمة خلفت من قبلها ورأت وشاهدت فيمن سلف ما ينبغي أن تعتبر به، فمن كفر منكم فعليه جزاء كفره من مقت الله وخسار الآخرة كما أن ذلك حكم من قبلكم (أروني) بدل من أرأيتم، لان معنى أرأيتم أخبروني كأنه قال: أخبروني عن هؤلاء الشركاء وعما استحقوا به الإلهية والشركة، أروني أي جزاء من أجزاء الأرض استبدوا بخلقه دون الله، أم لهم مع الله شركة في خلق السماوات، أم معهم كتاب من عند الله ينطق بأنهم شركاؤه فهم على حجة وبرهان من ذلك الكتاب، أو يكون الضمير في آتيناهم للمشركين كقوله تعالى - أم أنزلنا عليهم سلطانا، أم آتيناهم كتابا من قبله - بل إن يعد بعضهم بعضا وهم الرؤساء (بعضا) وهم الاتباع (إلا غرورا) وهو قولهم هؤلاء
(٣١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 ... » »»