الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٠٤
ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون * يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد * إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد
____________________
ثم قال على سبيل الاستطراد في صفة البحرين وما علق بهما من نعمته وعطائه (ومن كل) أي ومن كل واحد منهما (تأكلون لحما طريا) وهو السمك (وتستخرجون حلية) وهي اللؤلؤ والمرجان (وترى الفلك فيه) في كل (مواخر) شواق للماء يجريها، يقال مخرت السفينة الماء، ويقال للسحاب بنات تمخر لأنها تمخر الهواء والسفن الذي اشتقت منه السفينة قريب من المخر لأنها تسفن الماء كأنها تقشره كما تمخره (من فضله) من فضل الله ولم يجر له ذكر في الآية ولكن فيهما قبلها ولو لم يجر لم يشكل لدلالة المعنى عليه، وحرف الرجاء مستعار لمعنى الإرادة، ألا ترى كيف سلك به مسلك لام التعليل كأنما قيل لتبتغوا ولتشكروا. والفرات: الذي يكسر العطش. والسائغ:
المرئ السهل الانحدار لعذوبته. وقرئ سيغ بوزن سيد وسيغ بالتخفيف. وملح على فعل. والأجاج: الذي يحرق بملوحته، ويحتمل غير طريقة الاستطراد وهو أن يشبه الجنسين بالبحرين ثم يفضل البحر الأجاج على الكفار بأنه قد شارك العذب في منافع من السمك واللؤلؤ وجرى الفلك فيه والكافر خلو من النفع فهو في طريقة قوله تعالى - ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة - ثم قال - وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منها الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله - (ذلكم) مبتدأ، و (الله ربكم له الملك) أخبار مترادفة، أو الله ربكم خبران، وله الملك جملة مبتدأة واقعة في قران قوله (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) ويجوز في حكم الاعراب إيقاع اسم الله صفة لاسم الإشارة أو عطف بيان، وربكم خبرا لولا أن المعنى يأباه. والقطمير: لفافة النواة وهي القشرة الرقيقة الملتفة عليها. إن تدعوا الأوثان (لا يسمعوا دعاءكم) لانهم جماد (ولو سمعوا) على سبيل الفرض والتمثيل ل‍ (- ما استجابوا لكم) لانهم لا يدعون ما تدعون لهم من الإلهية ويتبرؤون منها. وقيل ما نفعوكم (يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) ولا يخبرك بالامر مخبر هو مثل خبير عالم به، ويريد ان الخبير بالامر وحده هو الذي يخبرك بالحقيقة دون سائر المخبرين به، والمعنى: أن هذا الذي أخبرتكم به من حال الأوثان هو الحق لأني خبير بما أخبرت به. وقرئ يدعون بالياء والتاء. فإن قلت: لم عرف الفقراء؟ قلت: قصد بذلك أن يريهم أنهم لشدة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء، وإن كانت الخلائق كلهم مفترقين إليه من الناس وغيرهم لان الفقر مما يتبع الضعف وكلما كان الفقير أضعف كان أفقر، وقد شهد الله سبحانه على الانسان بالضعف
(٣٠٤)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)، الأكل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 ... » »»