الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٨٢
أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن اله حرمهما على الكافرين. الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون. ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون. هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون. إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره
____________________
يكون له محل بأن يقع صفة لرجال. ما أغنى عنكم جمعكم المال أو كثرتكم واجتماعكم وما كنتم تستكبرون واستكباركم عن الحق وعلى الناس. وقرئ تستكثرون من الكثرة (أفيضوا علينا) فيه دليل على أن الجنة فوق النار (أو مما رزقكم الله) من غيره من الأشربة لدخوله في حكم الإفاضة، ويجوز أن يراد أو ألقوا علينا مما رزقكم الله من الطعام والفاكهة كقوله * علفتها تبنا وماء باردا * وإنما يطلبون ذلك مع بأسهم من الإجابة إليه حيرة في أمرهم كما يفعل المضطر الممتحن (حرمهما على الكافرين) منعهم شراب الجنة وطعامها، كما منع المكلف ما يحرم عليه ويحذر كقوله * حرام على عيني أن تطعم الكرى * (فاليوم ننساهم) نفعل بهم فعل الناسين الذين ينسون عبيدهم من الخير لا يذكرونهم به (كما نسوا لقاء يومهم هذا) كما فعلوا بلقائه فعل الناسين فلم يخطروه ببالهم ولم يهتموا به (فصلناه على علم) عالمين كيف نفصل أحكامه ومواعظه وقصصه وسائر معانيه حتى جاء حكيما قيما غير ذي عوج. وقرأ ابن محيصن فضلناه بالضاد المعجمة بمعنى فضلناه على جميع الكتب عالمين أنه أهل للتفضيل عليها (و) هدى ورحمة حال من منصوب فصلناه كما أن - على علم - حال من مرفوعه (إلا تأويله) إلا عاقبة أمره وما يئول إليه من تبين صدقه وظهور صحة ما نطق به الوعد والوعيد (قد جاءت رسل ربنا بالحق) أي تبين وصح أنهم جاءوا بالحق (نرد) جملة معطوفة على الجملة التي قبلها داخلة معها في حكم الاستفهام كأنه قيل: هل لنا من شفعاء أو هل نرد، ورافعه وقوعه موقعا يصلح للإسم كما تقول ابتداء: هل يضرب زيد، ولا يطلب له فعل آخر يعطف عليه فلا يقدر هل يشفع لنا شافع أو نرد؟ وقرأ ابن أبي إسحاق أو نرد بالنصب عطفا على فيشفعوا لنا، أو تكون أو بمعنى حتى أن: أي يشفعوا لنا حتى نرد فنعمل. وقرأ الحسن بنصب نرد ورفع فنعمل بمعنى فنحن نعمل (يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا) وقرئ يغشي بالتشديد: أي يلحق الليل بالنهار أو النهار بالليل يحتملهما جميعا، والدليل على الثاني قراءة حميد بن قيس يغشى الليل النهار بفتح الياء ونصب الليل ورفع النهار: أي يدرك النهار الليل ويطلبه حثيثا حسن الملاءمة لقراءة حميد (بأمره) بمشيئته وتصريفه وهو متعلق بمسخرات: أي خلقهن
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»