الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٨٦
وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون. أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون. فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين. والى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون؟
____________________
المتطاولة أو في المعاني المختلفة من الأوامر والنواهي والمواعظ والزواجر والبشائر والنذائر، ويجوز أن يريد رسالاته إليه والى الأنبياء قبله من صحف جده إدريس وهي ثلاثون صحيفة، ومن شيث وهي خمسون صحيفة (وأنصح لكم (يقال نصحته ونصحت له، وفي زيادة اللام مبالغة ودلالة على إمحاض النصيحة وأنها وقعت خالصة للمنصوح له مقصودا بها جانبه لا غير، فرب نصيحة ينتفع بها الناصح فيقصد النفعين جميعا، ولا نصيحة أمحض من نصيحة الله تعالى ورسله عليهم السلام (وأعلم من الله ما لا تعلمون) أي من صفات الله وأحواله: يعني قدرته الباهرة وشدة بطشه على أعدائه، وأن بأسه لا يرد عن القوم المجرمين. وقيل لم يسمعوا بقوم حل بهم العذاب قبلهم فكانوا آمنين لا يعلمون ما علمه نوح بوحي الله إليه، أو أراد وأعلم من جهة الله أشياء لا علم لكم بها قد أوحى إلي بها (أو عجبتم) الهمزة للإنكار والواو للعطف والمعطوف عليه محذوف كأنه قيل: أكذبتم وعجبتم (أن جاءكم) من أن جاءكم (ذكر) موعظة (من ربكم على رجل منكم) على لسان رجل منكم كقوله - ما وعدتنا على رسلك - وذلك أنهم كانوا يتعجبون من نبوة نوح عليه السلام ويقولون - ما سمعنا بهذا من آبائنا الأولين - يعنون إرسال البشر، ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة (لينذركم ولتتقوا) ليحذركم عاقبة الكفر وليوجد منكم التقوى وهي الخشية بسبب الإنذار (ولعلكم ترحمون) ولترحموا بالتقوى إن وجدت منكم (والذين معه) قيل كانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة، وقيل تسعة بنوه: سام، وحام، ويافث، وستة ممن آمن به. فإن قلت: في الفلك بم يتعلق؟ قلت: هو متعلق بمعه كأنه قيل: والذين استقروا معه في الفلك أو صحبوه في الفلك، ويجوز أن يتعلق بفعل الإنجاء: أي أنجيناهم في السفينة من الطوفان (عمين) عمى القلوب غير مستبصرين. وقرئ عامين، والفرق بين العمى والعامي أن العمى يدل على عمى ثابت، والعامي على عمى حادث، ونحوه قوله - وضائق به صدرك - (أخاهم) واحدا منهم من قولك يا أخا العرب للواحد منهم، وإنما جعل واحدا منهم لأنهم أفهم عن رجل منهم وأعرف بحاله في صدقه أو أمانته وهو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وأخاهم عطف على نوحا، و (هودا) عطف بيان له. فإن قلت: لم حذف العاطف من قوله (قال يا قوم) ولم يقل فقال كما في قصة نوح؟ قلت: هو على
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»