الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٨٣
ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين. ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين. ولا يفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين. وهو الذي يرسل الرياح نشرا
____________________
جاريات بمقتضى حكمته وتدبيره، وكما يريد أن يصرفها سمى ذلك أمرا على التشبيه كأنهن مأمورات بذلك. وقرئ والشمس والقمر والنجوم مسخرات بالرفع. ولما ذكر خلقهن مسخرات بأمره قال (ألا له الخلق والأمر) أي وهو الذي خلق الأشياء كلها وهو الذي صرفها على حسب إرادته (تضرعا وخفية) نصب على الحال: أي ذوي تضرع وخفية. وكذلك خوفا وطمعا. والتضرع تفعل من الضراعة وهو الذل: أي تذللا وتملقا. وقرئ وخفية. وعن الحسن رضي الله عنه أن الله يعلم القلب التقي والدعاء الخفي، إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به جاره، وإن كان الرجل لقد فقه الكثير ولا يشعر الناس به، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة وعنده الزوار وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم وذلك أن الله تعالى يقول - ادعوا ربكم تضرعا وخفية - وقد أثنى على زكريا فقال - إذ نادى ربه نداء خفيا - وبين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا (إنه لا يحب المعتدين) أي المجاوزين ما أمروا به في كل شئ من الدعاء وغيره. وعن ابن جريج هو رفع الصوت بالدعاء، وعنه الصياح في الدعاء مكروه وبدعة، وقيل هو الإسهاب في الدعاء وعن النبي صلى الله عليه وسلم " سيكون قوم يعتدون في الدعاء، وحسب المرء أن يقول:
اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ثم قرأ قوله تعالى - إنه لا يحب المعتدين - " (إن رحمت الله قريب من المحسنين) كقوله - وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا - وإنما ذكر قريب على تأويل الرحمة بالرحم أو الترحم، أو أنه صفة موصوف محذوف: أي شئ قريب، أو على تشبيهه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول كما شبه ذاك به فقيل قتلاء وأسراء، أو على أنه بزنة المصدر الذي هو النقيض والضغيب، أو لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي. قرئ نشرا وهو مصدر نشر، وانتصابه إما لأن أرسل ونشر متقاربان فكأنه قيل نشرها نشرا، وإما على الحال بمعنى منتشرات ونشرا جمع نشور ونشرا تخفيف نشر كرسل
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»