الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٨٤
(بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون. والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون. لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله
____________________
ورسل. وقرأ مسروق نشرا بمعنى منشورات فعل بمعنى مفعول كنفض وحسب ومنه قولهم ضم نشره وبشرا جمع بشير وبشرا بتخفيفه وبشر بفتح الباء مصدر من بشره بمعنى بشره: أي باشرات وبشرى (بين يدي رحمته) أمام رحمته، وهي الغيث الذي هو من أتم النعم وأجلها وأحسنها أثرا (أقلت) حملت ورفعت واشتقاق الإقلال من القلة لأن الرافع المطيق يرى الذي يرفعه قليلا (سحابا ثقالا) سحائب ثقالا بالماء جمع سحابة (سقناه) الضمير للسحاب على اللفظ، ولو حمل على المعنى كالثقال لأنث، كما لو حمل الوصف على اللفظ لقيل ثقيلا (لبلد ميت) لأجل بلد ليس فيه حيا ولسقيه. وقرئ ميت (فأنزلنا به) بالبلد أو بالسحاب أو بالسوق وكذلك (فأخرجنا به، كذلك) مثل ذلك الإخراج وهو إخراج الثمرات (نخرج الموتى لعلكم تذكرون) فيؤديكم التذكر إلى أنه لا فرق بين الإخراجين، إذ كل واحد منهما إعادة للشئ بعد إنشائه (والبلد الطيب) الأرض العذاة الكريمة التربة (والذي خبث) الأرض السبخة التي لا تنبت ما ينتفع به (بإذن ربه) بتيسيره وهو في موضع الحال كأنه قيل: يخرج نباته حسنا وافيا لأنه واقع في مقابلة (نكدا) والنكد الذي لا خير فيه. وقرئ يخرج نباته: أي يخرجه البلد وينبته، وقوله والذي خبث صفة للبلد ومعناه: والبلد الخبيث لا يخرج نباته إلا نكدا، فحذف المضاف الذي هو النبات وأقيم المضاف إليه الذي هو الراجع إلى البلد مقامه، إلا أنه كان مجرورا بارزا فانقلب مرفوعا مستكنا لوقوعه موقع الفاعل، أو يقدر:
ونبات الذي خبث. وقرئ نكدا بفتح الكاف على المصدر: أي ذا نكد ونكدا بإسكانها للتخفيف كقوله نزه عن الريب بمعنى نزه، وهذا مثل لمن ينجع فيه الوعظ والتنبيه من المكلفين ولمن لا يؤثر فيه شئ من ذلك. وعن مجاهد آدم وذريته منهم خبيث وطيب. وعن قتادة المؤمن سمع كتاب الله فوعاه بعقله وانتفع به، كالأرض الطيبة أصابها الغيث فأنبتت والكافر بخلاف ذلك، وهذا التمثيل واقع على أثر ذكر المطر وإنزاله بالبلد الميت، وإخراج الثمرات به على طريق الاستطراد (كذلك) مثل ذلك التصريف (نصرف الآيات) نرددها ونكررها (لقوم يشكرون) نعمة الله وهم المؤمنون ليفكروا فيها ويعتبروا بها. وقرئ يصرف بالياء: أي يصرفها الله (لقد أرسلنا نوحا) جواب قسم محذوف. فإن قلت: ما لهم لا يكادون ينطقون بهذه اللام إلا مع قد وقل عنهم نحو قوله:
حلفت لها بالله حلفة فاجر * لناموا.......
قلت: إنما كان ذلك لأن الجملة القسمية لا تساق إلا تأكيدا للجملة المقسم عليها التي هي جوابها، فكانت مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى قد عند استماع المخاطب كلمة القسم. قيل أرسل نوح عليه السلام وهو ابن خمسين
(٨٤)
مفاتيح البحث: الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»