الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٨١
وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون. وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا من القوم الظالمين. ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون. أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة، ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة
____________________
أطلق ليتناول كل وعد الله من البعث والحساب والثواب والعقاب وسائر أحوال القيامة، لأنهم كانوا مكذبين بذلك أجمع، ولأن الموعود كله مما ساءهم، وما نعيم أهل الجنة إلا عذاب لهم فأطلق لذلك (بينهما حجاب) يعني بين الجنة والنار أو بين الفريقين وهو السور المذكور في قوله تعالى - فضرب بينهم بسور - (وعلى الأعراف) وعلى أعراف الحجاب وهو السور المضروب بين الجنة والنار وهي أعاليه جمع عرف، أستعير من عرف الفرس وعرف الديك (رجال) من المسلمين من آخرهم دخولا في الجنة لقصور أعمالهم كأنهم المرجون لأمر الله، يحبسون بين الجنة والنار إلى أن يأذن الله لهم في دخول الجنة (يعرفون كلا) من زمر السعداء والأشقياء (بسيماهم) بعلامتهم التي أعلمهم الله تعالى بها، يلهمهم الله ذلك أو تعرفهم الملائكة إذا نظروا إلى أصحاب الجنة نادوهم بالتسليم عليهم (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار) ورأوا ما هم فيه من العذاب استعاذوا بالله وفزعوا إلى رحمته أن لا يجعلهم معهم.
ونادوا رجالا من رؤوس الكفرة يقولون لهم (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) إشارة لهم إلى أهل الجنة الذين كان الرؤساء يستهينون بهم ويحتقرونهم لفقرهم وقلة حظوظهم من الدنيا وكانوا يقسمون إن الله لا يدخلهم الجنة (ادخلوا الجنة) يقال لأصحاب الأعراف ادخلوا الجنة، وذلك بعد أن يحبسوا على الأعراف وينظروا إلى الفريقين ويعرفونهم بسيماهم ويقولوا ما يقولون، وفائدة ذلك بيان أن الجزاء على قدر الأعمال، وأن التقدم والتأخر على حسبها، وأن أحدا لا يسبق عند الله إلا بسبقه في العمل، ولا يتخلف عنده إلا بتخلفه فيه، وليرغب السامعون في حال السابقين ويحرصوا على إحراز قصبتهم، وليتصوروا أن كل أحد يعرف ذلك اليوم بسيماه التي استوجب أن يوسم بها من أهل الخير والشر، فيرتدع المسئ عن إساءته ويزيد المحسن في إحسانه، وليعلم أن العصاة يوبخهم كل أحد حتى أقصر الناس عملا، وقوله - وإذا صرفت أبصارهم - فيه أن صارفا يصرف أبصارهم لينظروا فيستعيذوا ويوبخوا. وقرأ الأعمش: وإذا قلبت أبصارهم. وقرئ أدخلوا الجنة على البناء للمفعول. وقرأ عكرمة دخلوا الجنة. فإن قلت: كيف لاءم هاتين القراءتين قوله (لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون)؟ قلت: تأويله ادخلوا أو دخلوا الجنة مقولا لهم لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. فإن قلت: ما محل قوله لم يدخلوها وهم يطمعون؟
قلت: لا محل له لأنه استئناف كأن سائلا سأل عن حال أصحاب الأعراف فقيل لم يدخلوها وهم يطمعون: يعني حالهم أن دخولهم الجنة استأخر عن دخول أهل الجنة فلم يدخلوها لكونهم محبوسين وهم يطمعون لم ييأسوا، ويجوز أن
(٨١)
مفاتيح البحث: الظلم (1)، الخوف (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»