الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٧٩
وكذلك نجزي المجرمين. لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين. والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون. ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها
____________________
في سم بالحركات الثلاث. وقرأ عبد الله في سم المخيط والخياط والمخيط كالحزام ما يخاط به وهو الإبرة (وكذلك) ومثل ذلك الجزاء الفظيع (نجزي المجرمين) ليؤذن أن الإجرام هو السبب الموصل إلى العقاب وأن كل من أجرم عوقب، وقد كرره فقال (وكذلك نجزي الظالمين) لأن كل مجرم ظالم لنفسه (مهاد) فراش (غواش) أغطية وقرئ غواش بالرفع كقوله تعالى - وله الجوار المنشئات - في قراءة عبد الله (لا نكلف نفسا إلا وسعها) جملة معترضة بين الابتداء والخبر للترغيب في اكتساب ما لا يكتنهه وصف الواصف من النعيم الخالد مع العظيم بما هو في الوسع وهو الإمكان الواسع غير الضيق من الإيمان والعمل الصالح. وقرأ الأعمش لا تكلف نفس. من كان في قلبه غل على أخيه في الدنيا نزع منه، فسلمت قلوبهم وطهرت ولم يكن بينهم إلا التودد والتعاطف. وعن علي رضي الله عنه: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم (هدانا لهذا) أي وفقنا لموجب هذا الفوز العظيم وهو الإيمان والعمل الصالح (وما كنا لنهتدي) اللام لتوكيد النفي: يعنون وما كان يستقيم أن نكون مهتدين لولا هداية الله وتوفيقه. وفي مصاحف أهل الشام ما كنا لنهتدي بغير واو على أنها جملة موضحة للأولى (لقد جاءت رسل ربنا بالحق) فكان لنا لطفا وتنبيها على الإهتداء فاهتدينا، يقولون ذلك سرورا واغتباطا بما نالوا وتلذذا بالتكلم به لا تقربا وتعبدا، كما ترى من رزق خيرا في الدنيا يتكلم بنحو ذلك ولا يتمالك أن لا يقوله للفرح لا للقربة (أن تلكم الجنة) أن مخففة من الثقيلة تقديره: ونودوا بأنه تلكم الجنة (أورثتموها) والضمير ضمير الشأن والحديث، أو تكون بمعنى أي لأن المناداة من القول كأنه قيل: وقيل لهم: أي تلكم الجنة أورثتموها
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»