الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٧٨
وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين. قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار، قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون. وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون. إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط،
____________________
نراهم ولا ننتفع بهم اعترافا منهم بأنهم لم يكونوا على شئ فيما كانوا عليه وأنهم لم يحمدوه في العاقبة (قال ادخلوا) أي يقول الله تعالى يوم القيامة لأولئك الذين قال فيهم: فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته، وهم كفار العرب (في أمم) في موضع الحال: أي كائنين في جملة أمم وفي غمارهم مصاحبين لهم: أي ادخلوا في النار مع أمم (قد خلت من قبلكم) وتقدم زمانهم زمانكم (لعنت أختها) التي ضلت بالاقتداء بها (حتى إذا اداركوا فيها) أي تداركوا بمعنى تلاحقوا واجتمعوا في النار (قالت أخراهم) منزلة وهي الأتباع والسفلة (لأولاهم) منزلة وهي القادة والرؤوس. ومعنى لأولاهم: لأجل أولاهم لأن خطابهم مع الله لا معهم (عذابا ضعفا) مضاعفا (لكل ضعف) لأن كلا من القادة والأتباع كانوا ضالين مضلين (ولكن لا تعلمون) قرئ بالياء والتاء (فما كان لكم علينا من فضل) عطفوا هذا الكلام على قول الله تعالى للسفلة: لكل ضعف: أي فقد ثبت أن لا فضل لكم علينا وأنا متساوون في استحقاق الضعف (فذوقوا العذاب) من قول القادة أو من قول الله لهم جميعا (لا تفتح لهم أبواب السماء) لا يصعد لهم عمل صالح - إليه يصعد الكلم الطيب - كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين - وقيل إن الجنة في السماء، فالمعنى: لا يؤذن لهم في صعود السماء ولا يطرق لهم إليها ليدخلوا الجنة. وقيل لا تصعد أرواحهم إذا ماتوا كما تصعد أرواح المؤمنين. وقيل لا تنزل عليهم البركة ولا يغاثون - ففتحنا أبواب السماء - وقرئ لا تفتح بالتشديد ولا يفتح بالياء ولا تفتح بالتاء والبناء للفاعل، ونصب الأبواب على أن الفعل للآيات، وبالياء على أن الفعل لله عز وجل. وقرأ ابن عباس الجمل بوزن القمل، وسعيد بن جبير الجمل بوزن النغر. وقرئ الجمل بوزن القفل، والجمل بوزن النصب، والحمل بوزن الحبل، ومعناها: القلس الغليظ، لأنه حبال جمعت وجعلت جملة واحدة وعن ابن عباس رضي الله عنه: إن الله أحسن تشبيها من أن يشبه بالجمل: يعني أن الحبل مناسب للخيط الذي يسلك في سم الإبرة والبعير لا يناسبه، إلا أن قراءة العامة أوقع لأن سم الإبرة مثل في ضيق المسلك، يقال أضيق من خرت الإبرة، وقالوا للدليل الماهر خريت للاهتداء به في المضايق المشبهة بأخرات الإبر والجمل مثل في عظم الجرم قال * جسم الجمال وأحلام العصافير * أن الرجال ليسوا بجزر تراد منهم الأجسام، فقيل لا يدخلون الجنة حتى يكون ما لا يكون أبدا من ولوج هذا الحيوان الذي لا يلج إلا في باب واسع في ثقب الإبرة. وعن ابن مسعود أنه سئل عن الجمل فقال: زوج الناقة استجهالا للسائل، وإشارة إلى أن طلب معنى آخر تكلف. وقرئ
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»