الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥١٣
ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا. واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا. وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا. ورفعناه مكانا عليا.
____________________
يطلق باليد وهى العطية، قال * إني أتتني لسان لا أسر بها * يريد الرسالة، ولسان العرب لغتهم وكلامهم، استجاب الله دعوته - واجعل لي لسان صدق في الآخرين - فصيره قدوة حتى ادعاه أهل الأديان كلهم، وقال عز وجل - ملة أبيكم إبراهيم - و- ملة إبراهيم حنيفا - ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا - وأعطى ذلك ذريته فأعلى ذكرهم وأثنى عليهم كما أعلى ذكره وأثنى عليه. المخلص بالكسر الذي أخلص العبادة عن الشرك والرياء أو أخلص نفسه وأسلم وجهه لله، وبالفتح الذي أخلصه الله. الرسول: الذي معه كتاب من الأنبياء. والنبي: الذي ينبئ عن الله عز وجل وإن لم يكن معه كتاب كيوشع. الأيمن من اليمين: أي من ناحيته اليمنى، أو من اليمن صفة للطور أو للجانب. شبهه بمن قربه بعض العظماء للمناجاة حيث كلمه بغير واسطة ملك. وعن أبي العالية قربة حتى سمع صريف القلم الذي كتبت به التوراة (من رحمتنا) من أجل رحمتنا له وترأفنا عليه وهبنا له هارون أو بعض رحمتنا كما في قوله - ووهبنا له من رحتمنا - وأخاه على هذا الوجه بدل وهرون عطف بيان كقولك رأيت رجلا أخاك زيدا. وكان هارون أكبر من موسى فوقعت الهبة على معاضدته وموازرته، كذا عن ابن عباس رضي الله عنه. ذكر إسماعيل عليه السلام بصدق الوعد وإن كان ذلك موجودا في غيره من الأنبياء تشريفا له وإكراما كالتقليب بنحو الحليم والأواه والصديق ولأنه المشهور المتواصف من خصاله. عن ابن عباس رضي الله عنه " أنه وعد صاحبا له أن ينتظره في مكان فانتظره سنة " وناهيك أنه وعد من نفسه الصبر على الذبح فوفى حيث قال - ستجدني إن شاء الله من الصابرين - كان يبدأ في أهله في الأمر بالصلاح والعبادة ليجعلهم قدوة لمن وراءهم ولأنهم أولى من سائر الناس - وأنذر عشيرتك الأقربين - وأمر أهلك بالصلاة - قوا أنفسكم وأهليكم نارا - ألا ترى أنهم أحق بالتصدق عليهم فالإحسان الديني أولى. وقيل أهله أمته كلهم من القرابة وغيرهم، لأن أمم النبيين في عداد أهاليهم، وفيه أن من حق الصالح أن لا يألو نصحا للأجانب فضلا عن الأقارب والمتصلين به، وأن يحظيهم بالفوائد الدينية ولا يفرط في شئ من ذلك. قيل سمى إدريس لكثرة دراسته كتاب الله عز وجل وكان اسمه أخنوخ وهو غير صحيح، لأنه لو كان إفعيلا من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد وهو العلمية فكان منصرفا فامتناعه من الصرف دليل العجمة، وكذلك إبليس أعجمي وليس من الإبلاس كما يزعمون، ولا يعقوب من العقب ولا إسرائيل بإسرال كما زعم ابن السكيت، ومن لم يحقق ولم يتدرب بالصناعة كثرت منه أمثال هذه الهنات.
ويجوز أن يكون معنى إدريس في تلك اللغة قريبا من ذلك فحسآبه الراوي مشتقا من الدرس. المكان العلى شرف النبوة والزلفى عند الله وقد أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة، وهو أول من خط بالقلم ونظر في علم النجوم والحساب وأول من خاط الثياب ولبسها وكانوا يلبسون الجلود. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه يرفعه " أنه رفع إلى السماء الرابعة " وعن ابن عباس رضي الله عنهما إلى السماء السادسة، وعن الحسن رضي الله عنه إلى الجنة لا شئ أعلى من الجنة. وعن النابغة الجعدي أنه لما أنشد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعر الذي آخره:
(٥١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 508 509 510 511 512 513 514 515 516 517 518 ... » »»