الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥١٨
أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا. فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا. ثم لننزعن من كل شيعة
____________________
أحين تمت عليك نعمة فلان أسأت إليه. الواو عطفت لا يذكر على يقول، ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف: يعنى أيقول ذاك ولا يتذكر حال النشأة الأولى حتى لا ينكر الأخرى، فإن تلك أعجب وأغرب وأدل على قدرة الخالق حيث أخرج الجواهر والأعراض من العدم إلى الوجود، ثم أوقع التأليف مشحونا بضروب الحكم التي تحار الفطن فيها من غير حذو على مثال واقتداء بمؤلف ولكن اختراعا وإبداعا من عند قادر جلت قدرته ودقت حكمته. وأما الثانية فقد تقدمت نظيرتها وعادت لها كالمثال المحتذى عليه، وليس فيها إلا تأليف الأجزاء الموجودة الباقية وتركبها وردها إلى ما كانت عليه مجموعة بعد التفكيك والتفريق، وقوله تعالى - ولم يك شيئا - دليل على هذا المعنى، وكذلك قوله تعالى - وهو أهون عليه - على أن رب العزة سواء عليه النشأتان لا يتفاوت في قدرته الصعب والسهل ولا يحتاج إلى احتذاء على مثال ولا استعانة بحكيم ولا نظر في مقياس ولكن يواجه جاحد البعث بذلك دفعا في بحر معاندته وكشفا عن صفحة جهله. القراء كلهم على لا يذكر بالتشديد إلا نافعا وابن عامر وعاصما رضي الله عنهم فقد خففوا، وفى حرف أبى يتذكر (من قبل) من قبل الحالة التي هو فيها وهى حالة بقائه. في إقسام الله تعالى باسمه تقدست أسماؤه مضافا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تفخيم لشأن رسول الله ورفع منه كما رفع من شأن السماء والأرض في قوله تعالى - فورب السماء والأرض إنه لحق - والواو في (والشياطين) يجوز أن تكون للعطف وبمعنى مع، وهى بمعنى مع أوقع، والمعنى: أنهم يحشرون مع قرنائهم
(٥١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 513 514 515 516 517 518 519 520 521 522 523 ... » »»