الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٢٤
إنما نعد لهم عدا. يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا. ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا. لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا. وقالوا اتخذ الرحمن ولدا. لقد جئتم شيئا.
____________________
العز وهو الذل والهوان: أي يكونون عليهم ضدا لما قصدوه وأرادوه كأنه قيل ويكونون عليهم ذلالا لهم عزا أو يكونون عليهم عونا والضد العون، يقال من أضدادكم: أي أعوانكم وكأن العون سمى ضدا لأنه يضاد عدوك وينافيه بإعانته لك عليه. فإن قلت: لم وحد. قلت: وحد توحيد قوله عليه الصلاة والسلام " وهم يد على من سواهم " لاتفاق كلمتهم وأنهم كشئ واحد لفرط تضامهم وتوافقهم، ومعنى كون الآلهة عونا عليهم أنهم وقود النار وحصب جهنم ولأنهم عذبوا بسبب عبادتها وإن رجعت الواو في سيكفرون ويكونون إلى المشركين فإن المعنى ويكونون عليهم أي أعداءهم ضدا: أي كفرة بعد أن كانوا يعبدونها. الأز والهز والاستفزاز أخوات ومعناها التهييج وشدة الإزعاج أي تغريهم على المعاصي وتهيجهم لها بالوسواس والتسويلات، والمعنى: خلينا بينهم وبينهم ولم نمنعهم ولو شاء لمنعهم قسرا والمراد تعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الآيات التي ذكر فيها العتاة والمردة من الكفار وأقاويلهم وملاحتهم ومعاندتهم للرسل واستهزاؤهم بالدين من تماديهم في الغى وإفراطهم في العناد وتصميمهم على الكفر واجتماعهم على دفع الحق بعد وضوحه وانتفاء الشك عنه وانهما كهم لذلك في اتباع الشياطين وما تسول لهم. عجلت عليه بكذا إذا استعجلته منه: أي لا تعجل عليهم بأن يهلكوا ويبيدوا حتى تستريح أنت والمسلمون من شرورهم وتطهر الأرض بقطع دابرهم فليس بينك وبين ما تطلب من هلاكهم إلا أيام محصوة وأنفاس معدودة كأنها في سرعة تقضيها الساعة التي تعد فيها لو عدت ونحوه قوله تعالى - ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار -، وعن ابن عباس رضي الله عنه: أنه كان إذا قرأها بكى وقال: آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخول قبرك. وعن ابن السماك أنه كان عند المأمون فقرأها فقال: إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما أسرع ما تنفد. نصب (يوم) بمضمر: أي يوم (نحشر - ونسوق) نفعل بالفريقين ما لا يحيط به الوصف أو أذكر يوم نحشر، ويجوز أن ينتصب بلا يملكون. ذكر المتقون بلفظ التبجيل وهو أنهم يجمعون إلى ربهم الذي غمرهم برحمته وخصهم برضوانه وكرامته كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين للكرامة عندهم. وعن علي رضي الله عنه: ما يحشرون والله على أرجلهم ولكنهم على نوق رجالها ذهب وعلى نجائب سروجها ياقوت. وذكر الكافرون بأنهم يساقون إلى النار بإهانة واستخفاف كأنهم نعم عطاش تساق إلى الماء. والورد العطاش لأن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش، وحقيقة الولد المسير إلى الماء، قال:
ردى ردى ورد قطاة صما * كدرية أعجبها برد ألما فسمى به الواردون. وقرأ الحسن يحشر المتقون ويساق المجرمون. الواو في (لا يملكون) إن جعل ضميرا فهو للعباد ودل عليه ذكر المتقين والمجرمين لأنهم على هذه القسمة. ويجوز أن تكون علامة للجمع كالتي في أكلوني
(٥٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 519 520 521 522 523 524 525 526 527 528 529 ... » »»