الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥١٧
فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا. ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا.
____________________
رب السماوات والأرض (فاعبده) كقوله * وقائلة خولان فانكح فتاتهم * وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون - وما كان ربك نسيا - من كلام المتقين وما بعده من كلام رب العزة. فان قلت: هلا عدى (اصطبر) بعلى التي هي صلته كقوله تعالى - واصطبر عليها - قلت: لأن العبادة جعلت بمنزلة القرن في قولك للمحارب اصطبر لقرنك: أي أثبت له فيما يورد عليك من شداته، أريد أن العبادة تورد عليك شدائد ومشاق فأثبت لها ولا تهن، ولا يضق صدرك عن إلقاء عداتك من أهل الكتاب إليك الأغاليط وعن احتباس الوحي عليك مدة وشماتة المشركين بك: أي لم يسم شئ بالله قط وكانوا يقولون لأصنامهم آلهة والعزى إله، وأما الذي عوض فيه الألف واللام من الهمزة فمخصوص به المبعود الحق غير مشارك فيه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لا يسمى أحد الرحمن غيره. ووجه آخر هل تعلم من سمى باسمه على الحق دون الباطل لأن التسمية على الباطل في كونها غير معتد بها كلا تسمية. وقيل مثلا وشبيها: أي إذا صح أن لا معبود يوجه إليه العباد العبادة إلا هو وحده لم يكن بد من عبادته والاصطبار على مشاقها وتكاليفها. يحتمل أن يراد بالإنسان الجنس بأسره، وأن يراد بعض الجنس وهم الكفرة. فإن قلت: لم جازت إرادة الأناسي كلهم وكلهم غير قائلين ذلك؟ قلت: لما كانت هذه المقالة موجودة فيمن هو من جنسهم صح إسناده إلى جميعهم كما يقولون بنو فلان قتلوا فلانا وإنما القاتل رجل منهم، قال الفرزدق:
فسيف بنى عبس وقد ضربوا به * نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد فقد أسند الضرب إلى بنى عبس مع قوله نبا بيدي وهو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي: فإن قلت: بم انتصب إذا وانتصابه بأخرج ممتنع لأجل اللام لا تقول اليوم لزيد قائم. قلت: بفعل مضمر يدل عليه المذكور.
فإن قلت: لام الابتداء الداخلة على المضارع تعطى معنى الحال فكيف جامعت حرف الاستقبال؟ قلت: لم تجامعها إلا مخلصة للتوكيد كما أخلصت الهمزة في يا الله للتعويض واضمحل عنها معنى التعريف، وما في إذا ما للتوكيد أيضا فكأنهم قالوا: أحقا أنا سنخرج أحياء حين يتمكن فينا الموت والهلاك؟ على وجه الاستنكار والاستبعاد. والمراد الخروج من الأرض أو من حال الفناء، أو هو من قولهم خرج فلان عالما وخرج شجاعا إذا كان نادرا في ذلك، يريد سأخرج حيا نادرا على سبيل الهزؤ. وقرأ الحسن وأبو حياة لسوف أخرج. وعن طلحة ابن مصرف رضي الله عنه لسأخرج كقراءة ابن مسعود رضي الله عنه ولسيعطيك، وتقديم الظرف وإيلاؤه حرف الإنكار من قبل أن ما بعد الموت هو وقت كون الحياة منكرة، ومنه جاء إنكارهم فهو كقولك للمسئ إلى المحسن:
(٥١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 512 513 514 515 516 517 518 519 520 521 522 ... » »»