الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥١٢
قال سلام عليك سأستغفر لك ربى إنه كان بي حفيا. وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربى عسى ألا أكون بدعاء ربى شقيا. فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا. ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا. واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا. وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا.
____________________
(قال سلام عليك) سلام توديع ومتاركة كقوله تعالى - لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين - وقوله - وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما - وهذا دليل على جواز متاركة المنصوح والحال هذه. ويجوز أن يكون قد دعا له بالسلامة استمالة له، ألا ترى أنه وعده الاستغفار. فإن قلت: كيف جاز له أن يستغفر للكافر وأن يعده ذلك؟ قلت: قالوا أراد اشتراط التوبة عن الكفر كما ترد الأوامر والنواهي الشرعية على الكفار، والمراد اشتراط الإيمان، وكما يؤمر المحدث والفقير بالصلاة والزكاة ويراد اشتراط الوضوء والنصاب، وقالوا إنما استغفر له بقوله - واغفر لأبى إنه كان من الضالين - لأنه وعده أن يؤمن، واستشهدوا عليه بقوله تعالى - وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه - ولقائل أن يقول: الذي منع من الاستغفار للكافر إنما هو السمع، فأما القضية العقلية فلا تأباه، فيجوز أن يكون الوعد بالاستغفار والوفاء به قبل ورود السمع بناء على قضية العقل، والذي يدل على صحته قوله تعالى - إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك - فلو كان شارطا للإيمان لم يكن مستنكرا ومستثنى عما وجبت فيه الأسوة وأما عن موعدة وعدها إياه فالواعد هو إبراهيم لا آزر: أي ما قال: واغفر لأبى إلا عن قوله - لأستغفرن لك - وتشهد له قراءة حماد الرواية وعدها أباه والله أعلم (حفيا) الحفى البليغ في البر والألطاف حفى به وتحفى به (وأعتزلكم) أراد بالاعتزال المهاجرة إلى الشأم. المراد بالدعاء للعبادة لأنه منها ومن وسائطها، منه قوله صلى الله عليه وسلم " الدعاء هو العبادة " ويدل عليه قوله تعالى - فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله - ويجوز أن يراد الدعاء الذي حكاه الله في سورة الشعراء عرض بشقاوتهم بدعاء آلهتهم في قوله (عسى أن لا أكون بدعاء ربى شقيا) مع التواضع لله بكلمة عسى وما فيه من هضم النفس. ما خسر على الله أحد ترك الكفار الفسقة لوجهه فعوضه أولادا مؤمنين أنبياء (من رحمتنا) هي النبوة عن الحسن. وعن الكلبي المال والولد، وتكون عامة في كل خير ديني ودنيوي أوتوه. لسان الصدق: الثناء الحسن، وعبر باللسان عما يوجد باللسان كما عبر باليد عما
(٥١٢)
مفاتيح البحث: التصديق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 507 508 509 510 511 512 513 514 515 516 517 ... » »»