الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥١٤
أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا. فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا. إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا. جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده
____________________
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا * وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى أين يا أبا ليلى؟ قال: إلى الجنة (أولئك) إشارة إلى المذكورين في السورة من لدن زكريا إلى إدريس عليه السلام. و" من " في (من النبيين) للبيان مثلها في قوله تعالى في آخر سورة الفتح - وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة - لأن جميع الأنبياء منعم عليهم، ومن الثانية للتبعيض، وكان إدريس من ذرية آدم لقربه منه لأنه جد أبى نوح، وإبراهيم عليه السلام من ذرية من حمل مع نوح لأنه من ذرية سام بن نوح، وإسماعيل من ذرية إبراهيم، وموسى وهرون وزكريا ويحيى من ذرية إسرائيل وكذلك عيسى لأن مريم من ذريته (وممن هدينا) يحتمل العطف على من الأولى والثانية. إن جعلت الذين خبرا لأولئك كان (إذا تتلى) كلاما مستأنفا وإن جعلته صفة له كان خبرا. قرأ شبل بن عباد المكي يتلى بالتذكير لأن التأنيث غير حقيقي مع وجود الفاصل. البكى جمع باك كالسجود والقعود في جمع ساجد وقاعد. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " اتلوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا "، وعن صالح المري رضي الله عنه: قرأت القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: هذه القراءة يا صالح فأين البكاء؟ وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إذا قرأتم سجدة سبحان فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا، فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن القرآن أنزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا " وقالوا: يدعو في سجدة التلاوة بما يليق بآيتها، فإن قرأ آية تنزيل السجدة قال: اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك، وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك، وإن قرأ سجدة سبحان قال: اللهم اجعلني من الباكين إليك الخاشعين لك وإن قرأ هذه قال: اللهم اجعلني من عبادك المنعم عليهم المهتدين الساجدين لك الباكين عند تلاوة آياتك. خلفه إذا عقبه، ثم قيل في عقب الخير خلف بالفتح، وفى عقب السوء خلف بالسكون، كما قالوا وعد في ضمان الخير ووعيد في ضمان الشر. عن ابن عباس رضي الله عنه: هم اليهود تركوا الصلاة المفروضة وشربوا الخمر واستحلوا نكاح الأخت من الأب. وعن إبراهيم ومجاهد رضي الله عنهما: أضاعوها بالتأخير، وينصر الأول قوله - إلا من تاب وآمن - يعنى الكفار، وعن علي رضي الله عنه في قوله - واتبعوا الشهوات - من بنى الشديد ركب المنظور ولبس المشهور. وعن قتادة رضي الله عنه: هو في هذه الأمة. وقرأ ابن مسعود والحسن والضحاك رضي الله عنهم الصلوات بالجمع. كل شر عند العرب غي، وكل خير رشاد، قال المرقش:
فمن يلق خيرا تحمد الناس أمره * ومن يغو لا يعدم على الغى لائما
(٥١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 509 510 511 512 513 514 515 516 517 518 519 ... » »»