الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٠٧
فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا. وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا. فكلى واشربي وقرى عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا. فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا
____________________
لقلته ونزارته، وقرأ الأعمش منسيا بالكسر على الإتباع كالمغيرة والمنخر (من تحتها) هو جبريل عليه السلام، قيل كان يقبل كالقابلة، وقيل هو عيسى وهى قراءة عاصم وأبى عمرو، وقيل تحتها أسفل من مكانها كقوله - تجرى من تحتها الأنهار - وقيل كان أسفل منها تحت الأكمة فصاح بها لا تحزني. وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص من تحتها، وفى ناداها ضمير الملك أو عيسى. وعن قتادة الضمير في تحتها للنخلة. وقرأ زر وعلقمة فخاطبها من تحتها " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السرى فقال: هو الجدول " قال لبيد:
فتوسطا عرض السرى فصدعا * مسجورة متجاور أقلامها وقيل هو من السرو والمراد عيسى. وعن الحسن: كان والله عبدا سريا. فإن قلت: ما كان حزنها لفقد الطعام والشراب حتى تسلى بالسرى والرطب. قلت: لم تقع التسلية بهما من حيث إنهما طعام وشراب، ولكن من حيث إنهما معجزتان تريان الناس أنها من أهل العصمة والبعد من الريبة وأن مثلها مما قرفوها به بمعزل، وأن لها أمورا إلهية خارجة عن العادات خارقة لما ألفوا واعتادوا، حتى يتبين لهم أن ولادها من غير فحل ليس ببدع من شأنها (تساقط) فيه تسع قراءات بإدغام التاء، وتتساقط بإظهار التائين، وتساقط بطرح الثانية، ويساقط بالياء وإدغام التاء، وتساقط وتسقط ويسقط وتسقط ويسقط التاء للنخلة والياء للجذع، و (رطبا) تمييز أو مفعول على حسب القراءة. وعن المبرد جواز انتصابه بهزي وليس بذاك والباء في بجذع النخلة صلة للتأكيد كقوله تعالى - ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة - أو على معنى افعلي الهز به كقوله: بجرح في عراقيبها نصلى. قالوا: التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت وكذلك التحنيك، وقالوا: كان من العجوة. وقيل ما للنفساء خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل. وقيل إذا عسر ولادها لم يكن لها خير من الرطب. عن طلحة بن سليمان (جنيا) بكسر الجيم للإتباع: أي جمعنا لك في السرى والرطب فائدتين إحداهما الأكل والشرب، والثانية سلوة الصدر لكونهما معجزتين، وهو في معنى قوله - فكلى واشربي وقرى عينا - أي وطيبي نفسا ولا تغتمي وارفضي عنك ما أحزنك وأهمك. وقرئ وقرى بالكسر لغة نجد (فلما ترئن) بالهمز ابن الرومي عن أبي عمرو، وهذا من لغة من يقول:
لبأت بالحج وحلأت السويق، وذلك لتآخ بين الهمز وحرف اللين في الإبدال (صوما) صمتا. وفى مصحف عبد الله صمتا. وعن أنس بن مالك مثله، وقيل صياما إلا أنهم كانوا لا يتكلمون في صيامهم، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم الصمت لأنه نسخ في أمته. أمرها الله بأن تنذر الصوم لئلا تشرع مع البشر المتهمين لها في الكلام لمعنيين: أحدهما أن عيسى صلوات الله عليه يكفيها الكلام بما يبرئ به ساحتها، والثاني كراهة مجادلة السفهاء ومناقلتهم. وفيه أن السكوت عن السفيه واجب، ومن أذل الناس سفيه لم يجد مسافها. قيل أخبرتهم بأنها نذرت الصوم بالإشارة وقيل سوغ لها ذلك بالنطق (إنسيا) أي أكلم الملائكة دون الإنس. الفرى البديع وهو من
(٥٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 502 503 504 505 506 507 508 509 510 511 512 ... » »»