الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٦٩
مثبورا. فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا. وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا. وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا. وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا. قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا. ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا. ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا.
____________________
السماوات والأرض، ثم قارع ظنه بظنه كأنه قال: إن ظننتني مسحورا فأنا أظنك (مثبورا) هالكا، وظني أصح من ظنك لأن له أمارة ظاهرة وهى إنكارك ما عرفت صحته ومكابرتك لآيات الله بعد وضوحها، وأما ظنك فكذب بحت، لأن قولك مع علمك بصحة أمري إني لأظنك مسحورا قول كذاب. وقال الفراء: مثبورا مصروفا عن الخير مطبوعا على قلبك، من قولهم ما ثبرك عن هذا: أي ما منعك وصرفك. وقرأ أبي بن كعب: وإن إخالك يا فرعون لمثبورا، على إن المخففة واللام الفارقة (فأراد) فرعون أن يستخف موسى وقومه من أرض مصر ويخرجهم منها، أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال، فحاق به مكره بأن استفزه الله بإغراقه مع قبطه (اسكنوا الأرض) التي أراد فرعون أن يستفزكم منها (فإذا جاء وعد الآخرة) يعنى قيام الساعة (جئنا بكم لفيفا) جمعا مختلطين إياكم وإياهم، ثم يحكم بينكم ويميز بين سعدائكم وأشقيائكم. واللفيف: الجماعات من قبائل شتى (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) وما أنزلنا القرآن إلا بالحكمة المقتضية لإنزاله، وما نزل إلا ملتبسا بالحق والحكمة لاشتماله على الهداية إلى كل خير، أو ما أنزلناه من السماء إلا بالحق محفوظا بالرصد من الملائكة، وما نزل على الرسول " إلا محفوظا بهم من تخليط الشياطين (وما أرسلناك) إلا لتبشرهم بالجنة وتنذرهم من النار ليس إليك وراء ذلك شئ من إكراه على الدين أو نحو ذلك (وقرآنا) منصوب بفعل يفسره (فرقناه) وقرأ أبى فرقناه بالتشديد:
أي جعلنا نزوله مفرقا منجما. وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قرأه مشددا وقال: لم ينزل في يومين أو ثلاثة، بل كان بين أوله وآخره عشرون سنة: يعنى أن فرق بالتخفيف يدل على فصل متقارب (على مكث) بالفتح والضم على مهل وتؤدة وتثبت (ونزلناه تنزيلا) على حسب الحوادث (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا) أمر بالإعراض عنهم واحتقارهم والازدراء بشأنهم وأن لا يكترث بهم وبإيمانهم وبامتناعهم عنه، وأنهم إن لم يدخلوا في الإيمان ولم يصدقوا بالقرآن وهم أهل جاهلية وشرك فإن خيرا منهم وأفضل وهم العلماء الذين قرأوا الكتب وعلموا ما الوحي وما الشرائع قد آمنوا به وصدقوه، وثبت عندهم أنه النبي العربي الموعود في كتبهم، فإذا تلى عليهم خروا سجدا وسبحوا الله تعظيما لأمره ولإنجازه ما وعد في الكتب المنزلة وبشر به من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن عليه، وهو المراد بالوعد في قوله (إن كان وعد ربنا لمفعولا. ويزيدهم خشوعا) أي يزيدهم القرآن لين قلب ورطوبة عين. فإن قلت: إن الذين أوتوا العلم من قبله تعليل لماذا؟ قلت: يجوز أن يكون تعليلا لقوله
(٤٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 464 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 ... » »»