____________________
كيف عكسوا في كل شئ وكابروا حتى جسرتهم عادة المكابرة على العظيمة التي هي تفضيل الإنسان على الملك وذلك بعد ما سمعوا تفخيم الله أمرهم وتكثيره مع التعظيم ذكرهم وعلموا أين أسكنهم وأنى قربهم وكيف نزلهم من أنبيائه منزلة أنبيائه من أممهم ثم جرهم فرط التعصب عليهم إلى أن لفقوا أقوالا وأخبارا منها " قالت الملائكة: ربنا إنك أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون منها ويتمتعون ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الآخرة، فقال: وعزتي وجلالي لا أجعل ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان " ورووا عن أبي هريرة أنه قال " المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده " ومن ارتكابهم أنهم فسروا كثيرا بمعنى جميع في هذه الآية، وخذلوا حتى سلبوا الذوق فلم يحسوا ببشاعة قولهم وفضلناهم على جميع ممن خلقنا، على أن معنى قولهم على جميع ممن خلقنا أشجى لحلوقهم وأقذى لعيونهم ولكنهم لا يشعرون، فانظر إلى تمحلهم وتشبثهم بالتأويلات البعيدة في عداوة الملأ الأعلى، كأن جبريل عليه السلام غاظهم حين أهلك مدائن قوم لوط فتلك السخيمة لا تنحل عن قلوبهم. قرئ يدعو بالياء والنون ويدعى كل أناس على البناء للمفعول. وقرأ الحسن يدعو كل أناس على قلب الألف واوا في لغة من يقول أفعو والظرف نصب بإضمار أذكر، ويجوز أن يقال إنها علامة الجمع كما في - وأسروا النجوى الذين ظلموا - والرفع مقدر كما في يدعى ولم يؤت بالنون قلة مبالاة بها لأنها غير ضمير ليست إلا علامة (بإمامهم) بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين، فيقال: يا أتباع فلان يا أهل دين كذا أو كتاب كذا، وقيل كتاب أعمالهم فيقال يا أصحاب كتاب الخير ويا أصحاب كتاب الشر. وفي قراءة الحسن بكتابهم. ومن بدع التفاسير أن الإمام جمع أم وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم، وأن الحكمة في الدعاء بالأمهات دون الآباء رعاية حق عيسى عليه السلام وإظهار شرف الحسن والحسين وأن لا يفتضح أولاد الزنى، وليت شعري أيهما أبدع أصحة لفظه أم بهاء حكمته؟ (فمن أوتي) من هؤلاء المدعوين (كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم) قيل أولئك لأن من أوتي في معنى الجمع. فإن قلت:
لم خص أصحاب اليمين بقراءة كتابهم كأن أصحاب الشمال لا يقرءون كتابهم؟ قلت: بلى ولكن إذا اطلعوا على ما في كتابهم أخذهم ما يأخذ المطالب بالبداء على جنايته والاعتراف بمساويه أمام التنكيل به والانتقام منه من الحياء والخجل والانخزال وحبسة اللسان والتتعتع والعجز عن إقامة حروف الكلام والذهاب عن تسوية القول فكأن قراءتهم كلا قراءة. وأما أصحاب اليمين فأمرهم على عكس ذلك لا جرم أنهم يقرءون كتابهم أحسن قراءة وأبينها ولا يقنعون بقراءتهم وحدهم حتى يقول القارئ لأهل المحشر - هاؤم اقرءوا كتابيه - (ولا يظلمون فتيلا) ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شئ كقوله - ولا يظلمون شيئا - فلا يخاف ظلما ولا هضما - معناه: ومن كان في الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى كذلك (وأضل سبيلا) من الأعمى، والأعمى مستعار ممن لا يدرك المبصرات لفساد
لم خص أصحاب اليمين بقراءة كتابهم كأن أصحاب الشمال لا يقرءون كتابهم؟ قلت: بلى ولكن إذا اطلعوا على ما في كتابهم أخذهم ما يأخذ المطالب بالبداء على جنايته والاعتراف بمساويه أمام التنكيل به والانتقام منه من الحياء والخجل والانخزال وحبسة اللسان والتتعتع والعجز عن إقامة حروف الكلام والذهاب عن تسوية القول فكأن قراءتهم كلا قراءة. وأما أصحاب اليمين فأمرهم على عكس ذلك لا جرم أنهم يقرءون كتابهم أحسن قراءة وأبينها ولا يقنعون بقراءتهم وحدهم حتى يقول القارئ لأهل المحشر - هاؤم اقرءوا كتابيه - (ولا يظلمون فتيلا) ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شئ كقوله - ولا يظلمون شيئا - فلا يخاف ظلما ولا هضما - معناه: ومن كان في الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى كذلك (وأضل سبيلا) من الأعمى، والأعمى مستعار ممن لا يدرك المبصرات لفساد