الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٥٨
أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا. أم أمنتم أن يعيدكم فيها تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا. ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا.
____________________
وحيث كان (أو يرسل عليكم حاصبا) وهي الريح التي تحصب: أي ترمي الحصباء، يعني أو إن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الحصباء يرجمكم بها يكون أشد عليكم من الغرق في البحر (وكيلا) من يتوكل بصرف ذلك عنكم (أم أمنتم) أن يقوى دواعيكم ويوفر حوائجكم إلى أن ترجعوا فتركبوا البحر الذي نجاكم منه فأعرضتم فينتقم منكم بأن يرسل (عليكم قاصفا) وهي الريح التي لها قصيف وهو الصوت الشديد كأنها تتقصف: أي تنكسر، وقيل التي لا تمر بشئ إلا قصفته (فيغرقكم) وقرئ بالتاء: أي الريح وبالنون وكذلك نخسف ونرسل ونعيدكم قرئت بالياء والنون. التبيع المطالب من قوله - فاتباع بالمعروف - أي مطالبة. قال الشماخ * كما لاذ الغريم من التبيع * يقال فلان على فلان تبيع بحقه: أي مصيطر عليه مطالب له بحقه. والمعنى أنا نفعل ما نفعل بهم ثم لا تجد أحدا يطالبنا بما فعلنا انتصارا منا ودركا للثأر من جهتنا، وهذا نحو قوله - ولا يخاف عقباها - (بما كفرتم) بكفرانكم النعمة يريد إعراضهم حين نجاهم. قيل في تكرمة ابن آدم كرمه الله بالعقل والنطق والتمييز والخط والصورة الحسنة والقامة المعتدلة وتدبير أمر المعاش والمعاد، وقيل بتسلطهم على ما في الأرض وتسخيره لهم، وقيل كل شئ يأكل بفيه إلا ابن آدم. وعن الرشيد أنه أحضر طعاما فدعا بالملاعق وعنده أبو يوسف فقال له: جاء في تفسير جدك ابن عباس قوله تعالى - ولقد كرمنا بني آدم - جعلنا لهم أصابع يأكلون بها، فأحضرت الملاعق فردها وأكل بأصابعه (على كثير ممن خلقنا) هو ما سوى الملائكة، وحسب بني آدم تفضيلا أن ترفع عليهم الملائكة وهم هم ومنزلتهم عند الله منزلتهم، والعجب من المجبرة
(٤٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 463 ... » »»