الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٦٤
إلا خسارا. وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤسا.
قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا. ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا. إلا رحمة من ربك إن فضله
____________________
المرضى. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله ". ولا يزداد به الكافرون (إلا خسارا) أي نقصانا لتكذيبهم به وكفرهم كقوله تعالى - فزادتهم رجسا إلى رجسهم - (وإذا أنعمنا على الإنسان) بالصحة والسعة (أعرض) عن ذكر الله كأنه مستغن عنه مستبد بنفسه (ونأى بجانبه) تأكيد للإعراض، لأن الإعراض عن الشئ أن يوليه عرض وجهه. والنأي بالجانب أن يلوي عنه عطفه ويوليه ظهره، أو أراد الاستكبار لأن ذلك من عادة المستكبرين (وإذا مسه الشر) من فقر أو مرض أو نازلة من النوازل (كان يؤسا) شديد اليأس من روح الله - إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون -. وقرئ وناء بجانبه بتقديم اللام على العين كقولهم راء في رأى، ويجوز أن يكون من ناء بمعنى نهض (قل كل) أحد (يعمل على شاكلته) أي على مذهبه وطريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلالة من قولهم طريق ذو شواكل وهي الطرق التي تتشعب منه، والدليل عليه قوله (فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) أي أسد مذهبا وطريقة. الأكثر على أنه الروح الذي في الحيوان، سألوه عن حقيقته فأخبر أنه من أمر الله: أي مما استأثر بعلمه. وعن أبي بريدة: لقد مضى النبي صلى الله عليه وسلم وما يعلم الروح. وقيل هو خلق عظيم روحاني أعظم من الملك، وقيل جبريل عليه السلام، وقيل القرآن و (من أمر ربي) أي من وحيه وكلامه ليس من كلام البشر. بعثت اليهود إلى قريش أن سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح، فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبي، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي، فبين لهم القصتين وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة فندموا على سؤالهم (وما أوتيتم) الخطاب عام.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال لهم ذلك قالوا: نحن مختصون بهذا الخطاب أم أنت معنا فيه؟
فقال: بل نحن وأنتم لم نؤت من العلم إلا قليلا، فقالوا: ما أعجب شأنك ساعة تقول - ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا - وساعة تقول هذا، فنزلت - ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام - وليس ما قالوه بلازم أن القلة والكثرة تدوران مع الإضافة، فيوصف الشئ بالقلة مضافا إلى ما فوقه، والكثرة مضافا إلى ما تحته، فالحكمة التي أوتيها العبد خير كثير في نفسها إلا أنها إذا أضيفت إلى علم الله فهي قليلة. وقيل هو خطاب لليهود خاصة لأنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: قد أوتينا التوراة وفيها الحكمة وقد تلوت - ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثير - فقيل لهم: إن علم التوراة قليل في جنب علم الله (لنذهبن) جواب قسم محذوف مع نيابته عن جزاء الشرط، واللام الداخلة على إن موطئة للقسم، والمعنى: إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه عن الصدور والمصاحف فلم نترك له أثرا وبقيت كما كنت لا تدري ما الكتاب (ثم لا تجد لك) بعد الذهاب (به) من يتوكل علينا باسترداده وإعادته محفوظا مستورا (إلا رحمة من ربك) إلا أن يرحمك ربك فيرده عليك كأن رحمته تتوكل عليه بالرد، أو يكون على الاستثناء المنقطع، بمعنى: ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به، هذا امتنان من الله تعالى ببقاء
(٤٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 459 460 461 462 463 464 465 466 467 468 469 ... » »»