الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٥٣
فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا. يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا. وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا. ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا. وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا.
____________________
الخالق إحياؤه فإنه يحييه، وقيل ما يكبر في صدورهم الموت، وقيل السماوات والأرض (فسينغضون) فسيحركونها نحوك تعجبا واستهزاء. والدعاء والاستجابة كلاهما مجاز، والمعنى: يوم يبعثكم فتنبعثون مطاوعين منقادين لا تمتنعون، وقوله (بحمده) حال منهم أي حامدين وهي مبالغة في انقيادهم البعث كقولك لمن تأمره بركوب ما يشق عليه فيتأبى ويتمنع: ستركبه وأنت حامد شاكر، يعني أنك تحمل عليه وتقسر قسرا حتى إنك تلين لين المسمح الراغب فيه الحامد عليه. وعن سعيد بن جبير ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون سبحانك اللهم وبحمدك (وتظنون) وترون الهول فعنده تستقصرن مدة لبثكم في الدنيا وتحسبونها يوما أو بعض يوم. وعن قتادة تحاقرت الدنيا في أنفسهم حتى عاينوا الآخرة (وقل لعبادي) وقل للمؤمنين (يقولوا) للمشركين الكلمة (التي هي أحسن) وألين ولا يخاشنوهم كقوله - وجادلهم بالتي هي أحسن - وفسر التي هي أحسن بقوله (ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم) يعني يقولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا يقولوا لهم إنكم من أهل النار وإنكم معذبون وما أشبه ذلك مما يغيظهم ويهيجهم على الشر. وقوله (إن الشيطان ينزغ بينهم) اعتراض: يعني يلقي بينهم الفساد ويغري بعضهم على بعض ليقع بينهم المشارة والمشاقة (وما أرسلناك عليهم وكيلا) أي ربا موكولا إليك أمرهم تقسرهم عن الإسلام وتجبرهم عليه، وإنما أرسلناك مبشرا ونذيرا، فدارهم ومر أصحابك بالمداراة والاحتمال وترك المحاقة والمكاشفة وذلك قبل نزول آية السيف. وقيل نزلت في عمر رضي الله عنه شتمه رجل فأمره الله بالعفو.
وقيل أفرط إيذاء المشركين للمسلمين فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت. وقيل الكلمة التي هي أحسن أن يقولوا يهديكم الله يرحمكم الله. وقرأ طلحة ينزغ بالكسر وهما لغتان نحو يعرشون ويعرشون. هو رد على أهل مكة في إنكارهم واستبعادهم أن يكون يتيم أبي طالب نبيا وأن تكون العراة الجوع أصحابه كصهيب وبلال وخباب وغيرهم دون أن يكون ذلك في بعض أكابرهم وصناديدهم، يعني وربك أعلم بمن في السماوات والأرض وبأحوالهم ومقاديرهم وبما يستأهل كل واحد منهم، وقوله (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) إشارة إلى تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله (وآتينا داود زبورا) دلالة على وجه تفضيله وهو أنه خاتم الأنبياء وأن أمته خير الأمم لأن ذلك مكتوب في زبور داود قال الله تعالى - ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون - وهم محمد وأمته. فإن قلت: هلا عرف الزبور كما عرف في قوله - ولقد كتبنا في الزبور - قلت: يجوز أن يكون الزبور وزبور كالعباس وعباس والفضل وفضل، وأن يريد: وآتينا داود بعض الزبر وهي الكتب وأن يريد ما ذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الزبور فسمى ذلك زبورا لأنه
(٤٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 ... » »»