الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٣٤
ولم يك من المشركين. شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم. وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين. ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين. إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه
____________________
لله لو كان لا يخاف الله لم يعصه " وهو ذلك المعنى: أي كان إماما في الدين لأن الأئمة معلموا الخير. والقانت:
القائم بما أمره الله. والحنيف: المائل إلى ملة الإسلام غير الزائل عنه، ونفى عنه الشرك تكذيبا لكفار قريش في زعمهم أنهم على ملة أبيهم إبراهيم (شاكرا لأنعمه) روي أنه كان لا يتغذى إلا مع ضيف، فلم يجد ذات يوم ضيفا فأخر غذاءه، فإذا هو بفوج من الملائكة في صورة البشر، فدعاهم إلى الطعام فخيلوا له أن بهم جذاما، فقال:
الآن وجبت مواكلتكم شكرا لله على أنه عافاني وابتلاكم (اجتباه) اختصه واصطفاه للنبوة (وهداه إلى صراط مستقيم) إلى ملة الإسلام (حسنة) عن قتادة هي تنويه الله بذكره حتى ليس من أهل دين إلا وهم يتولونه، وقيل الأموال والأولاد، وقيل قول المصلي منا كما صليت على إبراهيم (لمن الصالحين) لمن أهل الجنة (ثم أوحينا إليك) في ثم هذه ما فيها من تعظيم منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلال محله والإيذان بأن أشرف ما أوتي خليل الله إبراهيم من الكرامة وأجل ما أولي من النعمة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملته من قبل أنها دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة من بين سائر النعوت التي أثنى الله عليه بها (السبت) مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها.
والمعنى: إنما جعل وبال السبت وهو المسخ (على الذين اختلفوا فيه) واختلافهم فيه أنهم أحلوا الصيد فيه تارة وحرموه تارة، وكان الواجب عليهم أن يتفقوا في تحريمه على كلمة واحدة بعد ما حتم الله عليهم الصبر عن الصيد فيه وتعظيمه، والمعنى في ذكر ذلك نحو المعنى في ضرب القرية التي كفرت بأنعم الله مثلا وغير ما ذكر، وهو الإنذار من سخط الله على العصاة والمخالفين لأوامره والخالعين ربقة طاعته. فإن قلت: ما معنى الحكم بينهم إذا كانوا جميعا محلين أو محرمين؟ قلت: معناه أنه يجازيهم جزاء اختلاف فعلهم في كونهم محلين تارة ومحرمين أخرى. ووجه آخر وهو أن موسى عليه السلام أمرهم أن يجعلوا في الأسبوع يوما للعبادة وأن يكون يوم الجمعة فأبوا عليه وقالوا: زد اليوم الذي فرغ الله فيه من خلق السماوات والأرض وهو السبت إلا شرذمة منهم قد رضوا بالجمعة، فهذا اختلافهم في السبت لأن بعضهم اختاره وبعضهم اختار عليه الجمعة، فأذن لهم في السبت
(٤٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 439 ... » »»