الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٢٧
ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكن عذاب عظيم. ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون. ما عندكم ينفد وما عند الله باق وليجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون. من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طبية ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون.
____________________
إلى الضلال والاهتداء لما أثبت لهم عملا يسألونه عنه. ثم كرر النهي عن اتخاذ الأيمان دخلا بينهم تأكيدا عليهم وإظهارا لعظم ما يركب منه فقال (فتزل قدم بعد ثبوتها) فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها (وتذوقوا السوء) في الدنيا بصدودكم (عن سبيل الله) وخروجكم من الدين أو بصدكم غيركم، لأنهم لو نقضوا أيمان البيعة وارتدوا لاتخذوا نقضها سنة لغيرهم يستنون بها (ولكم عذاب عظيم) في الآخرة كأن قوما ممن أسلم بمكة زين لهم الشيطان لجزعهم لما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين وإيذائهم لهم ولما كانوا يعدونهم إن رجعوا من المواعيد أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبتهم الله (ولا تشتروا) ولا تستبدلوا (بعهد الله) وبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثمنا قليلا) عرضا من الدنيا يسيرا، وهو ما كانت قريش يعدونهم ويمنونهم إن رجعوا (إنما عند الله) من إظهاركم وتغنيمكم ومن ثواب الآخرة (خير لكم. ما عندكم) من أعراض الدنيا (ينفد وما عند الله) من خزائن رحمته (باق) لا ينفد. وقرئ لنجزين بالنون والياء (الذين صبروا) على أذى المشركين ومشاق الإسلام. فإن قلت: لم وحدت القدم ونكرت؟ قلت: لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن ثبتت عليه، فكيف بأقدام كثيرة. فإن قلت: (من) متناول في نفسه للذكر والأنثى فما معنى تبيينه بهما؟ قلت: هم مبهم صالح على الإطلاق للنوعين، إلا أنه إذا ذكر كان الظاهر تناوله للذكور فقيل (من ذكر أو أثنى) على التبيين ليعم الموعد النوعين جميعا (حياة طيبة): يعني في الدنيا وهو الظاهر لقوله (ولنجزينهم) وعده الله ثواب الدنيا والآخرة كقوله - فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة - وذلك أن المؤمن مع العمل الصالح موسرا كان أو معسرا يعيش عيشا طيبا إن كان موسرا فلا مقال فيها، وإن كان معسرا فمعه ما يطيب عيشه وهو القناعة والرضا بقسمة الله، وأما الفاجر فأمره على العكس إن كان معسرا فلا إشكال في أمره، وإن كان
(٤٢٧)
مفاتيح البحث: سبيل الله (1)، الصبر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 422 423 424 425 426 427 428 429 430 431 432 ... » »»