الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٩١
صلصال من حمإ مسنون. قال فاخرج منها فإنك رجيم. وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين. قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون. قال إنك من المنظرين. إلى يوم الوقت المعلوم. قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين.
إلا عبادك منهم المخلصين. قال هذا صراط علي مستقيم. إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين. وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم. إن المتقين في جنات وعيون.
____________________
لا يصح مني وينافي حالي ويستحيل أن أسجد لبشر (رجيم) شيطان من الذين يرجمون بالشهب أو مطرود من رحمة الله، لأن من يطرد يرجم بالحجارة، ومعناه ملعون لأن اللعن هو الطرد من الرحمة والإبعاد منها. والضمير في منها راجع إلى الجنة أو السماء أو إلى جملة الملائكة. وضرب يوم الدين حدا للعنة، إما لأنه أبعد غاية يضربها الناس في كلامهم كقوله - ما دامت السماوات والأرض - في التأييد وإما أن يراد أنك مذموم مدعو عليك باللعن في السماوات والأرض إلى يوم الدين من غير أن تعذب، فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما ينسى اللعن معه. ويوم الدين ويوم يبعثون في معنى واحد، ولكن خولف بين العبارات سلوكا بالكلام طريقة البلاغة، وقيل إنما سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت لأنه لا يموت يوم البعث أحد، فلم يجب إلى ذلك وأنظر إلى آخر أيام التكليف (بما أغويتني) الباء للقسم وما مصدرية وجواب القسم (لأزينن) والمعنى أقسم بإغوائك إياي لأزينن لهم. ومعنى إغوائه إياه: تسبيبه لغيه بأن أمره بالسجود لآدم عليه السلام فأفضى ذلك إلى غيه، وما الأمر بالسجود إلا حسن وتعريض للثواب بالتواضع والخضوع لأمر الله، ولكن إبليس اختار الإباء والاستكبار فهلك، والله تعالى برئ من غيه ومن إرادته والرضا به، ونحو قوله (بما أغويتني لأزينن لهم) قوله - فبعزتك لأغوينهم أجمعين - في أنه إقسام إلا أن أحدهما إقسام بصفته، والثاني إقسام بفعله وقد فرق الفقهاء بينهما، ويكوز أن لا يكون قسما ويقدر قسم محذوف ويكون المعنى: بسبب تسبيبك لإغوائي أقسم لأفعلن بهم نحو ما فعلت بي من التسبيب لإغوائهم بأن أزين لهم المعاصي وأوسوس إليهم ما يكون سبب هلاكهم (في الأرض) في الدنيا التي هي دار الغرور كقوله تعالى - أخلد إلى الأرض واتبع هواه - أو أراد إني أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة وهو في السماء، فأنا على التزيين لأولاده في الأرض أقدر، أو أراد لأجعلن مكان التزيين عندهم الأرض ولأوقعن تزييني فيها: أي لأزيننها في أعينهم ولأحدثنهم بالزينة في الدنيا وحدها يستحبوها على الآخرة ويطمئنوا إليها دونها، ونحوه * يجرح في عراقيبها نصلي * استثنى المخلصين لأنه علم أن كيده لا يعمل فيهم ولا يقبلون منه:
أي (هذا) طريق حق (علي) أن أراعيه، وهو أن لا يكون لك سلطان على عبادي إلا من اختار اتباعك منهم لغوايته. وقرئ علي وهو من علو الشرف والفضل (لموعدهم) الضمير للغاوين، وقيل أبواب النار أطباقها وأدراكها: فأعلاها للموحدين، والثاني لليهود، والثالث للنصارى، والرابع للصابئين، والخامس للمجوس، والسادس للمشركين، والسابع للمنافقين. وعن ابن عباس رضي الله عنه إن جهنم لمن ادعى الربوبية، ولظى
(٣٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 ... » »»