الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٩٦
هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين. لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون. فأخذتهم الصيحة مشرقين. فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل. إن في ذلك لآيات للمتوسمين. وإنها لبسبيل مقيم. إن في ذلك لآية للمؤمنين. وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين. فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين. ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين. وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين. وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين. فأخذتهم الصيحة مصبحين. فما أغنى عنهم
____________________
وقيل عن ضيافة الناس وإنزالهم وكانوا نهوه أن يضيف أحدا قط (هؤلاء بناتي) إشارة إلى النساء، لأن كل أمة أولاد نبيها رجالهم بنوه ونساؤهم بناته، فكأنه قال لهم: هؤلاء بناتي فانكحوهن وخلوا بني فلا تتعرضوا لهم (إن كنتم فاعلين) شك في قبولهم لقوله كأنه قال: فإن فعلتم ما أقول لكم وما أظنكم تفعلون. وقيل إن كنتم تريدون قضاء الشهوة وفيما أحل الله دون ما حرم (لعمرك) على إرادة القول: أي قالت الملائكة للوط عليه السلام لعمرك (إنهم لفي سكرتهم) أي غوايتهم التي أذهبت عقولهم وتمييزهم بين الخطأ الذي هم عليه وبين الصواب الذي تشير به عليهم من ترك البنين إلى البنات (يعمهون) يتحيرون فكيف يقبلون قولك ويصغون إلى نصيحتك. وقيل الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط كرامة له، والعمر والعمر واحد إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإيثار الأخف فيه، وذلك لأن الحلف كثير الدور على ألسنتهم، ولذلك حذفوا الخبر وتقديره: لعمرك مما أقسم به، كما حذفوا الفعل في قولك بالله. وقرئ في سكرهم وفي سكرانهم (الصيحة) صيحة جبريل عليه السلام (مشرقين) داخلين في الشروق وهو بزوغ الشمس (من سجيل) قيل من طين عليه كتاب من السجل ودليله قوله تعالى - حجارة من طين مسومة عند ربك - أي معلمة بكتاب (للمتوسمين) للمتفرسين المتأملين وحقيقة المتوسمين النظار المتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة سمة الشئ، يقال توسمت في فلان كذا: أي عرفت وسمه فيه. والضمير في عاليها وسافلها، لقرى قوم لوط (وإنها) وإن هذه القرى: يعني آثارها (لبسبيل مقيم) ثابت يسكله الناس لم يندرس بعد وهم يبصرون تلك الآثار، وهو تنبيه لقريش كقوله - وإنكم لتمرون عليهم مصبحين - (أصحاب الأيكة) قوم شعيب (وإنهما) يعني قرى قوم لوط والأيكة. وقيل الضمير للأيكة ومدين لأن شعيبا كان مبعوثا إليهما، فلما ذكر الأيكة دل بذكرها على مدين فجاء بضميرهما (لبإمام مبين) لبطريق واضح، والإمام اسم لما يؤتم به فسمي به الطريق ومطمر البناء واللوح الذي يكتب فيه لأنها مما يؤتم به (أصحاب الحجر) ثمود، والحجر واديهم، وهو بين المدينة والشأم (المرسلين) يعني بتكذيبهم صالحا، لأن من كذب واحدا منهم فكأنما كذبهم جميعا، أو أراد صالحا ومن معه من المؤمنين، كما قيل الخبيبون في ابن الزبير وأصحابه. وعن جابر " مررنا مع النبي صلى الله عليه وسلم على الحجر فقال لنا: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذرا أن يصيبكم مثل ما أصاب هؤلاء، ثم زجر النبي صلى الله عليه وسلم راحلته فأسرع حتى خلفها " (آمنين) لوثاقة البيوت واستحكامها من أن تتهدم ويتداعى بنيانها ومن نقب
(٣٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 ... » »»